تختتم اليوم أشغال ورشة دمج المفاهيم البيئية في برامج وأنشطة رياض الأطفال التي تعقدها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإسيسكو) لفائدة معلمي رياض الأطفال في مملكة البحرين تحت رعاية وزير التربية والتعليم ماجد علي النعيمي، الذي يتولى أيضاً مهمات رئاسة اللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة، والتي كان حضور إدارة رياض الأطفال بالوزارة فيها واضحاً جداً من خلال اللجنة التنظيمية وحضور مديرة الإدارة وعدد من الاختصاصيين بالإدارة.
بدأت أعمال الورشة يوم الأحد من الأسبوع الأخير في الشهر الأخير للعام 2006 لتمتد خمسة أيام، تم اختصارها إلى أربعة بموافقة حضور الجلسة الافتتاحية مراعاة لظروف العيد والوقوف بعرفة، التي ستكون يوم الجمعة. وقدمت فيها أوراق عمل عن مفهوم التربية البيئية والصعوبات التي تواجهها واستراتيجيات تقديمها، ودور العبادة والإعلام البيئي وخلق متطوعين وقادة بيئيين، وكل ذلك للتعليم ما قبل المدرسي. وحضر الورشة متخصصون في مجالي البيئة والتربية، ولاسيما برياض الأطفال.
من الصعب أن ألخص أهم ما جاء في الورشة لأشارككم بفائدتها، ولكن سأسعى إلى أن تكون لي وقفات في هذا المقال، وقد أعود ثانية في مقالات قادمة.
الورشة موجهة لرياض الأطفال وحضرها عدد من معلمات ومديرات الرياض، وكان معظم وقت الورشة مخصصاً للنقاشات في مجموعات والنقاشات بين المنصة والحضور. الحضور كان مميزاً بعدة أمور، أولها أنه نسائي كامل، ولأول مرة أنتبه أن رياض الأطفال لدينا مؤسسات نسائية بحتة! الميزة الأخرى هي الحماس والاهتمام لدى الحاضرات. الميزة الثالثة هي روح المحبة الجميلة السائدة، وعندما أسعدتني تلك الملاحظة انتبهت إلى أن الحاضرات يتعاملن مع أطفالٍ كل يوم، مع أحباب الله الصغار الذين ينبضون بهجة واستمتاعاً وسروراً وضحكاً بأبسط ما يمر بهم من أمور صغيرة.
أسماء رياض الأطفال كانت متنوعة وجميلة... وارتسمت على الوجوه ابتسامات كثيرة خلال الورشة كلما قدمت هذه الأسماء، ما أضفى جواً لطيفاً على الورشة، إلى جانب لطف لجنتها التنظيمية ورئيستها المهذبة منى جناحي. وقد حوت بين أعضائها ممثلين عن رياض الأطفال كمنظمين للورشة وليس كمشاركين أو مستفيدين من أوراقها ونقاشها فقط.
هذا الجو اللطيف كشف لي معاناة معلمات الرياض وحجم العمل التطوعي الكبير الذي يقمن به لأجل الأطفال. كثيرات تحدثن عن إيمانهن باسترتيجيات وآليات ووسائل كثيرة مما طرح، إلاّ أن ضعف الموازنات المخصّصة لتطوير الرياض تحول دون ذلك، وكيف أن المعلمة تقوم في أوقات كثيرة جداً بتحمل تكاليف ما تعتقد أنه ضروري جداً وغير متاح كجوائز تحفيزية للأطفال ومواد لعمل وسائل إيضاح وألعاب. المعلمات ممن حضرن الورشة ننتظر منهن الكثير في مجال تطبيقات التربية البيئية في رياضهن.
قدم أوراق الورشة وأدارها خبراء من خارج البحرين، وخبيران وطنيان كان لي شرف أن كنت أحدهما، وقدمت ورقتين الأولى عن غرس روح التطوع والقيادة في مرحلة التعليم ما قبل المدرسي، وتحدثت فيها عن لجنة ريم بجمعية أصدقاء البيئة كدراسة حالة. وورقتي الأخرى كانت عن التحديات التي تواجه التربية البيئية في التعليم ما قبل المدرسي.
من بين خبراء الورشة مستشار التربية البيئية لدى الأمانة الفنية لجامعة الدول العربية محمد السيد جميل، وهو المستشار الفني للشبكة العربية للبيئة والتنمية ومستشار لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس الشعب المصري. وقدم ورقة متميزة عن المواصفات الضرورية للمبنى المدرسي لرياض الأطفال وعلاقته بالواقع الديموغرافي، من حيث الموقع وقاعات النشاط والشروط الواجب توافرها عند التخطيط لتلك القاعات، وغيرها من محاور.
أود التوقف هنا عند جملة قالها الخبير السيد جميل، لأنقلها إلى جميع المهتمين برياض الأطفال وإلى أولياء الأمور: «يتعيّن ألاّ تكون روضة الأطفال مدرسة ابتدائية مصغرة ذات صفوف ومقررات، وإنما يجب أن تكون بيئة متكاملة ومؤسسة انتقالية توفر للطفل مجالاً للعب والتعليم والنماء الجسدي وتنمية الحواس والتكيف مع الجماعة، وتبرز قدراته الفكرية والعاطفية والاجتماعية». وأختم وقفتي معه بعبارة نقلها عن الزعيم العربي القومي جمال عبدالناصر: «بناء المدارس سهل يسير، وبناء الإنسان صعب عسير».
كان أول من التقيته من الخبراء شخصية ودودة متواضعة دمثة، وتحدثنا سريعا خلال استراحة ما بعد الافتتاح عن الورشة وأهدافها والفئة الموجهة لها وأفضل الطرق للاستفادة القصوى منها، هو مدير مركز القياس والتقويم والتنمية المهنية والأستاذ المساعد بقسم المناهج وطرق التدريس بكلية التربية الأساسية من دولة الكويت الشقيقة نبيل القلاف. وكان من أجمل ما قاله إن من يعمل في الميدان هم الأساس وعلينا التعلم منهم. وقدم القلاف ورقتيه في دراسات نظرية ودراسة تحليل محتوى بشأن واقع التربية البيئية في الكويت لهذه المرحلة وعن معلمة رياض الأطفال. وأدار القلاف الجلسة التي قدمت فيها ورقتي عن التطوع والقيادة لحماية البيئة، ومما قاله في التقديم إن العمل التطوعي هو من أهم الأعمال، وبيئتنا بحاجة إليه أكثر من أي شيء آخر، وهو لا يكمل الجهود الرسمية فقط بل كثيراً ما يقوم بما تعجز عنه أو ما لا تريد أن تقوم به، لأية اعتبارات تقدم على المصالح البيئية.
ممثل منظمة الإيسيكو غسان صالح الصالح لم يقدم أوراقاً، ولكن كانت له مداخلات وتعليقات وتوجيهات، لعل من أجملها أن علينا أن نولي اهتماماً بالعملية التربوية على مفهوم الذات عند الفرد منذ البداية، ولابد من تأسيس مفهوم إيجابي للذات لنمتد منه إلى علاقة إيجابية بالآخر، ومن خلالها يمكن بناء أعمال كثيرة تطوعية في إطار العلاقة بين الذات والآخر. ويدخل في ذلك مفاهيم مثل تقدير الذات بصورة يدرك الفرد (الطفل في هذه الحال) جوانب قوته ويسعى إلى استدراك النواقص؛ فيكون دور التربية البيئية أو تنمية التطوع لديه، فيتحول الشعور من أنه متطوع بصورة اختيارية إلى شعور بإلزام الذات بما يقوم به من أعمال وجهود لحماية البيئة.
ما أود أن أختم به مقالي أننا حلمنا وطالبنا لسنوات طويلة، بأن يتم إدخال التربية البيئية المنهجية المدروسة للمدارس ولرياض الأطفال، وتبدو هذه الورشة المميزة بداية لتحقيق ذلك الحلم. أدعو الله في هذه الأيام المباركة من شهر ذي الحجة التي رافقتها هذه الأمطار البهيجة، أن نرى ذلك الحلم حقيقة، وأن تتاح لنا الفرصة لنقدّم ما نستطيع تقديمه لإنجاح وتطوير هذه المهمة الكبرى في تاريخ حماية البيئة، وتاريخ التربية والتعليم في البحرين... اللهم آمين?
إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"العدد 1573 - الثلثاء 26 ديسمبر 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1427هـ