إن دول المجلس بدأت ومنذ العقد الماضي بايلاء اهتمام متزايد بإنشاء وتطوير أسواق الأوراق المالية فيها نتيجة لقناعاتها بالدور المهم الذي يمكن لهذه الأسواق أن تلعبه في مسيرة التنمية من خلال تعبئة المدخرات المحلية وتوجيهها نحو الاستخدامات الأكثر كفاءة وتوفير التمويل طويل الأجل للمشروعات الاقتصادية. وفي هذا الإطار، أنشأت هذه الدول أسواقاً منظمة للأوراق المالية، واستخدمت السعودية نظاماً إلكترونياً متطوراً لتداول الأسهم بواسطة المصارف تديره مؤسسة النقد العربي السعودي.
إلا أن أسواق المال الخليجية لاتزال تواجه الكثير من الصعوبات تتمثل في ضآلة عدد الشركات المساهمة ومحدودية الأوراق المالية المعروضة القابلة للتداول والتي تقتصر في الغالب على الأسهم فقط. كما تركز تداول الأوراق المالية في أيدي عدد محدود من المستثمرين ما يعرض التداول إلى ممارسات وتقلبات غير موضوعية.
كما تفتقر هذه الأسواق إلى وجود مؤسسات متخصصة تدعم وتعزز من دورها الاقتصادي كالوسطاء الماليين وشركات ومصارف الاستثمار التي تقوم بإعداد الدراسات المالية اللازمة وتقديم الخدمات الاستشارية للمتعاملين في الأسواق المالية. إضافة إلى ذلك هناك نقص حاد في التشريعات والقوانين التي تحمي المستثمرين والمتعاملين في الأسواق المالية وبما يؤكد الثقة بها ويقلل من مخاطر الاستثمار فيها.
كما توجد أيضا حاجة ماسة لإنشاء هيئات مستقلة برأس مال مشترك - عام وخاص - تكون لديها الصلاحيات في الإشراف على الأسواق المالية وأوراقها بما يحقق التوازن في العرض والطلب لمقاومة التحركات الشاذة للأسعار وهو ما يطلق عليه اصطلاحاً بصانعي السوق. ان تجاوز هذه الصعوبات والعقبات يستدعي ضرورة تحسين شروط تشغيل أسواق المال من حيث أنظمة المتاجرة والمعلومات المتوافرة للمتعاملين والرقابة على التحركات السعرية والتداول الداخلي وسرعة تخليص التعاملات وقواعد الإفصاح المالي وقوانين حماية المستثمرين فيها.
أما على مستوى الاقتصاد الكلي فإن المطلوب إعادة النظر في مفهوم ودور أسواق رأس المال بحيث يتم ربطها بأهداف أكثر عملية ووضوح وقابلية للتنفيذ بعيداً عن الشعارات المجردة.
إن الحديث العام والمجرد عن دور هذه الأسواق في حشد المدخرات وفي تحويل هذه المدخرات إلى استثمارات منتجة، وكذلك دورها في تنفيذ برامج التخصيص وفي تسهيل عمليات الرقابة المالية والنقدية، وفي خلق بيئة أكثر عدالة لتوزيع الثروة وغيرها من الأهداف العامة، نقول إن هذا الحديث ظل وللأسف مجرد حديث دون أن يجد طريقه للتنفيذ بصورة عملية. لذلك فإنه من الضروري أن يتم النظر بصورة عميقة في كل من هذه الأهداف وايجاد آلية عملية لربطها وبصورة ما بالنشاط الذي تؤديه أسواق المال، وبالتالي خلق تفاعل ايجابي بين الاثنين. ولعل التجارب الآسيوية الناجحة في تنمية دور أسواقها المالية - على رغم انهياراتها الأخيرة - قد اعتمدت بصورة رئيسية على ربط هذا الدور بشكل عملي باحتياجاتها التنموية في كل مرحلة من المراحل?
العدد 1573 - الثلثاء 26 ديسمبر 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1427هـ