العدد 1572 - الإثنين 25 ديسمبر 2006م الموافق 04 ذي الحجة 1427هـ

العولمة 3/5

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الضرورة بمكان عدم فصل العولمة عن التطورات الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية التي عرفها الغرب منذ القرن الثامن عشر مع ما خلقته تلك التطورات من تراكمات في كل المجالات، تلك التراكمات التي تضاعفت بصورة كبيرة في النصف الثاني من القرن العشرين، بل إن العقد الأخير منه قد قذفنا إلى عالم لم تتضح معالمه بعد. فمثل هذا الربط هو الذي في وسعه إعطاؤنا الصورة الكبرى الشاملة والمتكاملة لمفهوم العولمة.

فقد كان غياب الاتحاد السوفياتي إيذانًا بانتهاء الحرب الباردة، ما أطلق جدلاً في الأوساط العلمية والسياسية بشأن مقولات أميركية أعلنت عالمية النموذج الأميركي وقد تصرفت الولايات المتحدة بعد ذلك - خصوصاً بعد حرب الخليج الثانية - على أساس هذا الانتصار العالمي الذي يتيح لها التفرد واستبعاد الدول الأخرى من إدارة وتوجيه السياسات العالمية والتأثير في المنظمات والهيئات الدولية. وربما لهذا السبب أمكن التمييز بين اتجاهات أميركية مؤيدة للعولمة وأخرى معترضة عليها ومتوجسة منها، آسيوية وأوروبية وعربية.

وفي سياق هذه التطورات حاول أستاذ العلاقات الدولية الأميركي جيمس روزناو - رغم اعترافه بصعوبة ذلك - أن يتوصل إلى وضع تعريف كامل وجاهز يلائم التنوع الضخم لهذه الظاهرة المتعددة، فعلى سبيل المثال يقيم مفهوم العولمة علاقة بين مستويات متعددة للتحليل: الاقتصاد، السياسة، الثقافة، الأيديولوجيا، وتشمل إعادة تنظيم الإنتاج، تداخل صناعات عبر الحدود، انتشار أسواق التمويل، تماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول، نتائج الصراع بين المجموعات المهاجرة والمجموعات المقيمة. ومن هذا المنطلق تحدث العولمة، كما يرى روزناو من خلال أربع طرق متداخلة ومترابطة هي:

1- التفاعل الحواري الثنائي الاتجاه عن طريق تقنيات الاتصال.

2- الاتصال أحادي الاتجاه من خلال الطبقة المتوسطة.

3- من خلال المنافسة والمحاكاة.

4- من خلال تماثل المؤسسات.

ومن هنا يمكن القول: إن العولمة ظاهرة قديمة حديثة مرتبطة ارتباطًاً وثيقًاً بتقدم تكنولوجيا الاتصال والتجارة، وهي عملية ذات أبعاد مركبة تشمل النواحي الاقتصادية والمعلوماتية والتكنولوجية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وللعولمة أبعاد أخرى تحمل آثارًا سلبية على كثير من دول العالم، كما أشار جوزيف شتيغلت، وقد تؤدي إلى تزايد المشكلات العالمية العابرة للحدود وتصاعد حدتها مثل: مشكلات المخدرات وجرائم غسيل الأموال والهجرة غير المشروعة والتطرف وتلوث البيئة والأمراض الفتاك.

على أن العولمة لم تنطلق من الفراغ، ولابد أن تكون هناك أسباب موضوعية ومبررات لظهورها. وهناك أسباب عديدة لهذه الظاهرة، وضعها رجال الفكر وفلاسفة التربية ورجال المال والأعمال وذلك؛ لأنها أصبحت واقعاً ملموساً نعيشه ونحياه ويصعب علينا تجاهله، ويرى هؤلاء العولمة تحققت نتيجة ثلاثة عوامل موضوعية أساسية:

1- العوامل الطبيعية التوسطية ذات التوجه الاحتكاري المتنامي لنمط الإنتاج الرأس مالي.

2- فشل التجربة الاشتراكية السوفيتية وتفكيك المنظومة الاشتراكية العالمية المناقضة للقطب الرأس مالي.

3- الثورة العلمية الثالثة المتنامية منذ الحرب العالمية الثانية والتي حققت منجزات تكنولوجية في مجال الاتصالات والمعلومات بما أزال حدود المسافة المكانية والزمنية، وضاعف من قوى الإنتاج وأدى إلى اكتشافات معرفية ثورية وتغيرية.

ويكمن وراء تلك العوامل هناك سبعة عوامل رئيسية أخرى تفاعلت لتأسيس مضمون مصطلح العولمة، هي:

1- الغزو والاجتياح العسكري من أجل استلاب الآخرين.

2- التجارة والتبادل القائم بين الأفراد والشعوب والدول بعضها بعضاً؛ بحيث ينتقل من خلالها فائض السلع، وينتقل معها وبها الفكر.

3- الحوار والفكر وما يتيحه من وسائل للإقناع، من وسائل تدمير أية مقاومة لعملية العولمة.

4- الرؤية والتصور المشترك للغد الذي تسعى العولمة لتحقيقه، القائم على تغيير طبائع البشر وتحريرهم، وتذويب الهوية القومية تدريجياً للانخراط في تيار العولمة.

5- الإعلام الذي استطاع معايشة الحدث حال وقوعه فعلياً ولحظياً، وأن يؤثر فينا، ويسلب حريتنا في التفكير المنظم.

6- السيطرة الحضارية بقيمها ومُثُلها ومبادئها التي تفرض على الآخر السلبية والانبهار، وتسلب إرادته الذاتية، وتحوله إلى متلقٍٍ يستجيب لما يملى عليه، الأمر الذي يؤدي إلى عدم وضوح مصطلح العولمة.

7- إملاء إرادة الإخضاع من دون توقف، وجعل الآخرين يستسلمون بإرادتهم، ويدمنون الخضوع بشكل دائم ومستمر، وملاحقة دول المركز، ونسيان ذاتهم?

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1572 - الإثنين 25 ديسمبر 2006م الموافق 04 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً