ردود الفعل الإيرانية على صدور القرار 1737 عن مجلس الأمن تحت «الفصل السابع» اتسمت بالرفض. فطهران تعتبر أن من حقها مواصلة بحوثها في الحقول النووية السلمية وهي لم تخالف تعهداتها ولا تريد تجاوز تلك الاتفاقات التي وقعتها ولكنها أيضاً ترفض التنازل عن حقوقها الدولية والقانونية وحاجتها لبناء مفاعلات تنتج الطاقة الكهربائية.
البحث عن مصادر بديلة للنفط أو الحق في تنويع مصادر الطاقة يعتبران من الأعمال المشروعة من وجهة «النظام الدولي» ومؤسساته الفرعية مثل «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». فإيران في هذا السياق لم تخالف «الشرعية الدولية» ولم تتجاوز حقوقها القانونية إلا أن الولايات المتحدة نجحت في تسجيل ملاحظات على البرنامج وأخذت بجرجرة الملف من جنيف إلى نيويورك بهدف تدويل ملاحظاتها وتحويلها من سياسة دولة إلى سياسة دولية.
المشكلة الآن أصبحت معقدة ولم يعد بإمكان طهران التعامل مع الأزمة المفتعلة من دون أخذ القرار الدولي الذي صدر تحت «السابع» في الاعتبار. فالقرار خطير إذا أعيدت قراءة فقراته وفق ترتيب منهجي. فهو يتطرق إلى قضايا عامة ومبهمة، ولكن واشنطن تستطيع تفسيرها وفق الشروط والصيغ التي تناسب مصالحها. فالقرار مثلاً يتحدث عن وقف «الأنشطة الحساسة» وفي الآن يتناول مشروع «الصواريخ» ثم ينتقل للكلام عن «التعليم والتأهيل» ويشير إلى موضوع «البحوث والتطوير».
تكمن خطورة القرار في احتمال لجوء الإدارة الأميركية إلى عملية ربط بين الأنشطة «الحساسة» وغير الحساسة وبين البرنامج السلمي و»غير السلمي» وهذا ما يعطيها ذريعة للتدخل باسم «الشرعية الدولية» والطلب إلى الهيئة الدولية تشكيل فرق تفتيش للتأكد من حساسية البرنامج أو عدم حساسيته.
سلبية المسألة لا تقتصر على هذا الحد وإنما هناك خطورة أن تمتد لتتناول كل مراكز البحوث والجامعات والمعاهد والكليات والمختبرات الكيماوية والطبية والفيزيائية. فالقرار لا يتحدث عن أنشطة فقط وإنما يتطرق في ثنايا فقراته إلى الأبحاث ومؤسسات التعليم ومعاهد التأهيل ومختبرات التطوير وهو يطالب بوقفها في سياق الكلام عن الأنشطة الحساسة.
هذه «التفصيلات» الشيطانية التي وردت عرضاً في القرار الدولي تكمن فيها نقاط ارتكاز قد تستخدمها الولايات المتحدة لتقويض المشروع الإيراني في كل الحقول والمجالات وصولاً إلى البحوث النظرية والمختبرات الجامعية. فالهدف غير المباشر في 1737 يتجاوز تلك الفقرات العامة التي تتطرق إلى مخاوف دولية من أنشطة حساسة في اعتبار أن النص يجنح إلى تسجيل نقاط لا معنى لها إلا إذا كانت تخطط لمشروع آخر يستند بدوره إلى «الفصل السابع». فالكلام عن التعليم والتأهيل والأبحاث والتطوير في سياق تدويل ملاحظات عن «أنشطة حساسة» يمكن استغلاله لتطوير الهجوم الأميركي على المشروع السلمي للطاقة. واستخدام تلك المفردات في سياق عرضي وعام يشكل مواد جاهزة للضغط لاحقاً على طهران. وبالتالي يتحول موضوع التعليم والتأهيل والأبحاث والتطوير إلى نص أو فقرة في نص جديد تعتبر أن تلك الأنشطة العلمية والتأهيلية والبحثية والتطويرية مخالفة دولية لأنها تقع كلها تحت بند يمنع العمل في «الأنشطة الحساسة».
المسألة إذاً لم تتوقف وهي لاتزال في بدايتها ويرجح أن تقوم واشنطن مجدداً بإعادة دفع الملف النووي الإيراني إلى دول مجلس الأمن والضغط عليها لإصدار قرار جديد يتناول كل التفصيلات العلمية والبحثية المتصلة بالأنشطة الحساسة. وهذا يعني أن الملف لم يغلق بل فتح على آفاق تصعيدية جديدة ستظهر عناصرها بوضوح خلال مهلة الشهرين وهي تنتهي في فبراير/ شباط 2007.
بعد فترة السماح
من الآن وحتى تنتهي فترة السماح ما هي السيناريوهات التي يمكن توقعها قبل عودة الملف إلى مجلس الأمن؟
الولايات المتحدة قررت حشد المزيد من قواتها البحرية والبرية في العراق والخليج بذريعة «مكافحة الإرهاب» ودعم حكومة نوري المالكي وضمان أمن المنطقة ومساعدتها على ضبط استقرارها. وهذه القوات الإضافية يرجح أن تصل إلى المنطقة خلال الشهرين أو الشهور الثلاثة المقبلة أي في مارس/ آذار 2007. ماذا يعني الحشد الأميركي؟ هذا السؤال يمكن وضعه في سياقات مختلفة منها الضغط النفسي والتهويل والتهديد باستخدام القوة ويمكن أيضاً وضعه في سياق آخر وهو أن إدارة جورج بوش تمر في ظروف صعبة وهي تحتاج إلى مزيد من القوات لتسجيل بعض المكاسب الموضعية والمحدودة في بلاد الرافدين لرفع معنويات «الحزب الجمهوري» الذي يحتمل أن يواجه عاصفة من النقد من خصمه التقليدي الحزب الديمقراطي.
الحشد لا يعني دائماً الحرب وإنما التخويف من حصولها. ولكن الحشد أيضاً وفي ظروف خاصة واستثنائية لا يعني إلا الحرب وخصوصاً إذا تعامل الخصم باستهتار وخفة مع الموضوع. الحرب إذاً غير مستبعدة إذا نجحت واشنطن في توفير الفضاءات الدولية والإقليمية لها، وهذا الأمر يتطلب تسخين الأجواء ورفع حرارة الاضطرابات وتكوين مجموعة ذرائع تتصل برفض إيران التجاوب مع قرار دولي ينص على فقرات مطاطة يمكن توسيع دوائرها وآفاقها عند الحاجة.
هذا من الجانب الأميركي. يبقى الجانب الإيراني وأسلوب تعامله مع القرار الدولي وخطة واشنطن في تصعيد الفضاءات العامة والخاصة لتسهيل مشروعها التقويضي. طهران حتى الآن ردت باتجاه التصعيد وفق المنظور الدولي لفكرة التصعيد. فواشنطن مدعومة بدول مجلس الأمن وذاك القرار الذي صدر عن «الفصل السابع» تقرأ حق إيران في الدفاع عن أمنها وشعبها واقتصادها ومستقبلها أنه خطوات تصعيدية تخالف «الشرعية الدولية». والكلام الذي صدر عن القيادة الإيرانية كرد على القرار 1737 ترى فيه واشنطن محاولة للخروج عن الحل الدبلوماسي وخطوة تهدف إلى كسر تلك القناة الدبلوماسية وهذا يعطيها حق التدخل دفاعاً عن «الشرعية الدولية» بعد انتهاء المهلة الزمنية.
حتى الآن الكلام الإيراني لم يخرج عن سياقاته السابقة. فهناك تصريحات دعت الغرب «إلى القبول بوجودها كدولة نووية». وهناك تصريحات أخرى أعلنت عن فتح آفاق جديدة لتطوير المشروع النووي للطاقة السلمية من خلال تركيب «ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي في موقع نطنز». وهناك تصريحات صدرت عن مجلس الشورى تطالب الحكومة بإعادة النظر في تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ماذا تعني الردود الإيرانية؟ أيضاً يمكن وضع السؤال في سياقات مختلفة منها الضغط النفسي والتهويل والتهديد باللجوء إلى حق الدفاع العسكري، ويمكن أيضاً وضعه في سياق الاستعداد للتفاوض من دون ضرورة للعودة إلى مجلس الأمن وقراره الذي صدر تحت «الفصل السابع».
هناك إذاً أكثر من قراءة للموقفين الأميركي والإيراني. فهل الولايات المتحدة مستعدة لخوض المزيد من الحروب وتحمل نتائجها السلبية وتداعياتها الإقليمية وملحقاتها الأهلية؟ وهل إيران فعلاً مستعدة لخوض حرب تقويض ودمار شامل عليها وعلى المنطقة؟ من الصعب الحصول على جوابين واضحين للرد على المسألة نظراً إلى الغموض الذي يكتنف مدى الاستعدادات والجاهزية. فالكلام الإيراني مثلاً يشير إلى وجود «مفاجأة» غير متوقعة وهذا ما يمكن استخلاصه من تلك الدعوة التي طالبت الغرب «القبول بوجودها كدولة نووية». فهذا التصريح يلمح إلى شيء آخر يتجاوز الطاقة النووية السلمية. كذلك يمكن تفسير تركيب «ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي» وهذا يعني إشارة إضافية يمكن عطفها على «دولة نووية».
المسألة إذاً خطيرة جداً وتعدت كثيراً تلك الفقرات التي نص عليها القرار 1737. فالإشارات تدل على وجود استعدادات متبادلة تصل إلى حد المواجهة. والمواجهة المتوقعة ستكون في حال اندلاعها أقوى بعشرة أضعاف من تلك الحرب العدوانية التي نفذتها الولايات المتحدة ضد العراق في العام 2003.
يبقى السؤال: هل تصل الأمور إلى هذا الحد التقويضي والتدميري أم تبتكر دول العالم والمحيط الإقليمي لإيران والعراق مجموعة آليات واقعية تسفر عن معادلة جديدة تقوم على حل شامل يضمن توازن المصالح في دائرة «الشرق الأوسط»؟
الظاهر من الأمور أن الرياح تشتد وتتجه نحو عاصفة قوية ستضرب المنطقة كلها في حال لم تتسارع القوى المعنية إلى احتواء سلبياتها. هذا ظاهر الأمور أما الخفايا والزوايا الغامضة ومفاوضات الكواليس فهي عناصر لا يمكن الاعتماد عليها إلا بعد انتهاء مهلة القرار الدولي في الشهرين المقبلين?
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1572 - الإثنين 25 ديسمبر 2006م الموافق 04 ذي الحجة 1427هـ