العدد 1571 - الأحد 24 ديسمبر 2006م الموافق 03 ذي الحجة 1427هـ

الانتخابات الإيرانية الأخيرة: المِدْيَة لا تَعْرِفُ صَاحِبَهَا

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أعاد الناخب الإيراني من جديد بوصلة الحركة السياسية الداخلية من النقطة التي يريدها حينما زحزح إلى حدٍ ما في الخامس عشر من ديسمبر/ كانون الأول الجاري غلواءً «تعميرية» وليست «محافظة» بدأت في التنامي منذ شهر مارس/ آذار من العام 2003. ما حدث بطبيعة الحال ليس هزيمة للمحافظين في إيران كما صوّرها الإعلام الخارجي، فهم حَصَدُوا عشرة مقاعد بلدية من أصل خمسة عشر مقعداً في العاصمة طهران وحدها، بلائحتي «المبدئيين» برئاسة محمد باقر قاليباف، و»الرائحة الزكية للخدمة» برئاسة شقيقة الرئيس الإيراني بروين أحمدي نجاد.

وليس انتصاراً للإصلاحيين كما قيل، لأنهم لم يحصلوا سوى على أربعة مقاعد من مجموع المقاعد الخمسة عشر (معصومة ابتكار، أحمد مسجد جامعي، محمد علي نجفي وهادي ساعي) وواحد للمستقلّين، كما أن الستة والثمانيين «مجتهداً» الذين ترشّحوا لمجلس خبراء القيادة من أصل 165 مُترشّحاً هم في غالبيتهم المطلقة «محافظون»، والآخرون محسوبون على اليسار الديني الراديكالي، لذلك فإن اليمين المحافظ قد كسب الجولة بامتياز، وهُزِمَ الإصلاحيون أيضاً بأقلّ من ذلك إذا ما ضُمّت نتائج بقية المحافظات الأخرى! ليبقى الحديث «الأدق» محصوراً في دائرة أضيق لكنها شديدة التعقيد والتداخل إلى الحد الذي لم يعد بالإمكان تمييز برزخ المعادلة القائمة، بين محافظين جُدد (روّاد إعمار إيران الإسلامية) ومحافظين تقليديين (مجاميع القوى اليمينية كافة).

في الفترة التي أعقبت فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد في يوليو/ تموز من العام 2005 كانت قيادات التيار المحافظ قد فقدت السيطرة على حجم التشريبات التي صاحبت تنامي التيار وتوسعه نحو فضاءات أخرى غير التي كان ينهل منها اليمين تاريخياً لتسيير أوضاعه الحزبية والسياسية منذ انقسامه الأول في العام 1986. وكان الخروج على إجماع مجلس تنسيق قوى الثورة الساعي إلى طرح علي لاريجاني كمُرشّح للانتخابات الرئاسية الأخيرة، وأيضاً هاشمي رفسنجاني عن «روحانيت مبارز» وأيضاً عن مجلس التنسيق، ومحمد باقر قاليباف عن قطاعات متماثلة وفي مرحلة ما محسن رضائي قد خَلَط الأوراق بشدة لتنتهي الأمور إلى تقديم خلاصة يمينية ثورية جديدة، تتحكّم فيها آيدلوجية دينية من نوع خاص، كانت سبباً رئيسياً (إن لم يكن وحيداً) لإقصاء قيادات اليمين التقليدي وتهميشها. لذلك فليس غريباً أن يُفضي ذلك الزحاف الحزبي الذي طال أنوية القوى صاحبة النفوذ، لأن تلتئم تلك القوى مع خصوم تاريخيين لها لإنقاذ ما أمكن من المساحة المشتركة فيما بينها، في قبال خصم مُشترك أيضاً يريد أن يحصل على كل شيء ولا يترك لشركائه كثيراً أو قليلاً. لذلك فإن ما يُمكنني قراءته من هذه الانتخابات (الخبرائية، البلدية والتشريعية الجزئية) هو الآتي:

(1) إن النتائج التي رَشَحَت عن هذه الانتخابات أعادت ترتيب البيت المحافظ بعدما أصابه التشظّي في أعلى قياداته وأدنى قواعده، عبر تحجيم الدور الذي كان يلعبه الفصيل الناشز بغلواء فاقعة تجاه باقي خطوط المسطرة اليمينية الممتدة، وهو ما يعني إعادة التوازن الحزبي إلى هذا التيار بالشكل الذي يُؤهّله للأخذ بزمام المبادرة على الساحة السياسية الإيرانية. ففوز هاشمي رفسنجاني (محافظ تقليدي) وتأخر مصباح يزدي (محافظ تعميري) في الخبراء ومُرتضى طلائي (محافظ تقليدي) على بروين أحمدي نجاد (محافِظَة تعميرية) في البلديات هو توزيع جديد للقوة.

(2) أظهرت المعلومات الرقمية أنه قد تمّ انتخاب خمسة آلاف و405 أشخاص للمجالس البلدية، و114 ألفاً و704 أشخاص للمجالس القروية، وستة وثمانين مجتهداً للخبراء، وللانتخابات الفرعية للبرلمان ترشّح من طهران وري وشميرانات 96 شخصاً، ومن بَمْ خمسة أشخاص، ومن الأهواز ثمانية عشر شخصاً، وأن عدد الناخبين الذين حَقّ لهم الإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجلس خبراء القيادة يبلغ نحو 46 مليون شخص. كما بلغ عدد الناخبين الذين قُرّرَ أن يشاركوا في انتخابات المجالس البلدية والقروية بنحو 43 مليوناً، فكانت النتيجة مشاركة بنسبة 62 في المئة، وهو ما يعني إعادة إنتاج شرعية Legitimacy النظام (السياسية) التي تدور حولها فكرة الطاعة السياسية، ولمشروعيته legality (القانونية) أيضاً عبر خضوع نشاط السلطات الإدارية ونشاط المواطنين للقانون الوضعي، وهي بالتالي عملية تزييت تشريعية وتنفيذية للمحافظة على الصفوة الحقيقية لأصل النظام القائم وورقة مهمّة للاستقواء بها لمواجهة الضغوط الدولية على إيران بسبب برنامجها النووي.

(3) أعادت الانتخابات الأخيرة مرة أخرى مدى حضور العنصر النسائي المتعاظم في إيران والذي بدأ في تجاوز الكثير من التابوات الدينية والسياسية بصورة أكثر منذ العام 1997، ففي محافظتي قزوين وأردبيل انتخب ما لا يقل عن أربع نساء من أصل تسعة أعضاء في المجلس البلدي، فيما فازت ثلاث نساء في مجلس بلدية يزد من أصل سبعة أعضاء، وفي مجلس بلدية طهران ثلاث نساء، كما فازت عدد من النسوة في المدن الكبرى كشيراز، إذ تصدرت النتائج طالبة في الخامسة والعشرين من العمر هي فاطمة هوشمند، وكذلك الحال في أراك وزمجان وهمدان شمال غرب.

(4) أظهرت النتائج الأخيرة لمجلس خبراء القيادة بأن هذا المجلس قد تجاوز السيناريوهات المُفترضة التي كان يُطلقها ويُروّجها المحافظون الجُدد «التعميريون» عن سعيهم إلى السيطرة على هذا المجلس عبر تقديم لائحة يتقدمها آية الله محمد تقي مصباح يزدي وعدد كبير من مُريديه وطلابه، إذ بيّنت النتائج أن الغالبية العظمى للفائزين هم من المحسوبين على «روحانيت مبارز»، الوعاء التاريخي لليمين المحافظ التقليدي كهاشمي رفسنجاني وعلي المشكيني وإمامي كاشاني ومحمد يزدي وأحمد جنتي دري نجف آبادي ورضا استادي وشوشتري ومحمدي كيلاني. لذلك فمن المُتوقّع أن يبقى المجلس على التوجهات السابقة ذاتها خلال السنوات الثماني المقبلة، مع وجود تصوّر غير مُكتمل عن مصير رئاسة المجلس وأمانته العامة بعد اعتلال صحة رئيسه آية الله المشكيني?

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1571 - الأحد 24 ديسمبر 2006م الموافق 03 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً