العدد 1571 - الأحد 24 ديسمبر 2006م الموافق 03 ذي الحجة 1427هـ

بروحٍ جمعيةٍ... يخططون ويعملون

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

نحن الذين خاطبنا القرآن الكريم بقوله: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى» (المائدة: 2)، ودعانا إلى بذل ما في وسعنا من أجل أن نسعد ويسعد من حولنا، فتشاغلنا عن توجيهاته إلى ما يضادها ويعاكسها.

أرادنا القرآن الكريم أن نكون شهداءَ على الناس «لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدَاً» (البقرة: 143)، لكننا لم نفكر في الناس كما ينبغي، بل أصبح جلّ تفكيرنا محدوداً بأطرنا الضيقة ونفوسنا القلقة، وهواجسنا المحدودة، حتى إذا فكرنا في بعض قيمنا الدينية التي تتسع الخليقة أجمعها غلبتنا أمراضنا لنتقهقر ونتحرك ضمن مساحاتنا الضيقة.

لنقايس الآخرين حين يفكرون للإنسان ولننظر إلى أنفسنا فيما نفكر، وما هو نتاج تفكيرنا على الناس من حولنا، فالناس يصرخون عن يميننا وعن شمالنا بفعل أزماتهم ومشكلاتهم، وتحديات الزمن والأيام لهم، ونجيبهم بوسائل التخدير والتمني؛ لأنّنا نجيد الحديث مع الملائكة، ونفتقد القدرة الكافية على علاج مصائب الآدميين.

يفكّر العالم في قضايا إنسانية ذات أثر ملموس وضاغط على حياة الناس ونفكر نحن في كل شيء إلاّ هذه القضايا. يفكّر العالم في البيئة والحفاظ عليها، والايدز وعلاجه، والفقر ورفع مستوى الإنسان، والحريات والدفع باتجاهها، وهيئات الإغاثة العالمية، والصليب الأحمر الدولي وما يتفرع عنه، وفيما شاء الله من الموضوعات والقضايا الضرورية والمرتبطة بواقع الإنسان مباشرة ويكتب ويحاضر ويعقد المؤتمرات ويدعو المفكرين والمثقفين والناشطين والمؤثرين ويخطط ويبادر وينفذ، ونحن أخذنا قرارنا أن نعفي أنفسنا من كل ذلك، فلا يعنينا التفكير في قضايا البشرية المشتركة، ولا أمراضها وأوبئتها المتكاثرة، ولا همومها العامة وآمالها المبتغاة، بل اكتفينا بالكلمات العامة والمقولات الفضفاضة، والمنابر التي لا تحل ولا تغير قيد أنملة من واقع إنساننا المسكين؛ لأنها في وادٍ والعالم من حولها في وادٍ آخرَ.

إذا فكر العالم في مشروعاته الإنسانية أنشأ أطراً واسعةً تستوعب المسلم والمسيحي واليهودي وكل أصحاب الديانات وأشرك معهم اللاديني ليلتقي أصناف البشر على همومهم المشتركة؛ لأنهم ينطلقون من منطلق إنساني يتسامى عن الحساسيات بشتى أصنافها، وإذا ساعدتنا الأقدار وفكرنا نحن في إنشاء شيء سعينا في تضيقه، أولاً للمسلمين وثانياً للعرب وثالثاً للون المعين ورابعاً للتوجه الخاص الذي نراه أجدرَ من غيره، وهكذا نعتقد في كل شيء أن المشروع الذي نطرحه هو دائماً من نوع (vip)، فلا تتسع صدورنا لأحد، ولا نضمّ إلى مشروعاتنا جهوداً إنسانيةً أخرى ندعوها إلى المشاركة والمساهمة معنا في همومنا.

إننا مهووسون حتى الثمالة بألا يصادر الآخرون جهودنا الجبارة - كما نتصور - فنميل إلى التضييق والخصوصية واليد الواحدة وإن لم تصفق، كل ذلك للحفاظ على مصالحنا وعلى أهوائنا المحكومة بنظرتنا الضيقة.

حين يفكر أولئك في مؤتمر عن الايدز كالذي استضافته القاهرة في 6 ديسمبر/ كانون الأول الجاري - والذي أشرف عليه ونظمه البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، برنامج الأمم المتحدة للايدز والهيئة الدولية لصحة الأسرة - فإنهم يدعون القيادات والرموز الدينية الإسلامية على تنوعها والمسيحية مع اختلافها، ليتحدثوا مع العالم أجمع وليشركوا الجميع في برامجهم الإنسانية، متناسين كل تمايز وتفارق بين هذه المكونات والأفكار والتوجهات، هكذا يعمل هؤلاء لقضايا الإنسان وبهذه الروح يتشاركون ويشركون الآخرين.

إذا فكر الإنسانيون في إنشاء شيء فإنهم يشعرون بقيمة مشاركة الآخرين لهم، ومدى النجاح الذي يحققونه إذا تلاصقت الأكتاف مع بعضها، وتوحّدت الجهود لتخدم هدفاً أو أهدافاً محدّدة، وإذا فكّرنا نحن في شيء تحرك في نفوسنا هاجس النجاح الذي نبنيه على أساس أن ما نفكر فيه مبدئي وقيمي وديني وخُلقي، ومادام كذلك فالنجاح من الله سبحانه وتعالى، ونسينا قيمة التعاون والاستفادة من الجهود والعطاءات الإنسانية في تحقيق النجاح لمشروعاتنا ومبادراتنا وآمالنا (بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى).

متى يرتقي هذا التفكير؟ ومتى نتخلص من تبعاته لنكون رحمة للعالمين «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (الأنبياء: 107)، ونشارك البشرية همومَها بانفتاح ومحبة؟ ومتى تكون هواجس الناس ومشكلاتهم وتطلعاتهم هي شغلنا الشاغل؟

لست أدري... لكن ليس قبل أن نغيّر نظرتنا إلى أنفسنا ونشعر بإنسانيتنا، ونتأمل حقيقة ما يريده الدين منا?

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1571 - الأحد 24 ديسمبر 2006م الموافق 03 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً