المشغولون بالشأن السياسي العام في بلادنا قليلاً ما يديرون طرفهم نحو الرياضة، مع انها لا تقل هموماً وشجوناً عن الشأن السياسي!
ولأنهم يغيبون عن الشأن الرياضي، ولا ينتبهون إلاّ على وجود قنبلة، فإن الفواجع الرياضية تفاجؤهم دفعةً واحدة! من ذلك ما تكتشفه من موضوع التجنيس الرياضي. وقد لفتت نظري صورٌ جديدةٌ لبعض الأبطال القطريين (المجنّسين)، الذين جلبوا بعض الميداليات لقطر.
لاعب ألعاب القوى «جيمس كيب كم بوي كاتوي»، من الواضح انه أجنبيٌ من اسمه، تكتشف انه كان يعمل جندياً في بلده الأول كينيا، لكنه تحوّل إلى لاعبٍ في فريق ألعاب القوى القطري. وللتغطية على الاسم، اختاروا له اسماً محلياً: «سالم»، وربما لمزيدٍ من التغطية اختاروا اسمين محليين آخرين لأبيه (جمال) وجدّه (بلال)، وبهذه الطريقة يتم «قطرنة» الرياضة الخليجية، وكان الله غفوراً رحيماً!
في فريق رفع الأثقال القطري، هناك «سالمٌ» ثانٍ، وطبعاً ليس هذا هو اسمه الأصلي، وإنما اسمه ياني ماركو كوي، وكما تستشفون من الاسم، انه ينتمي إلى إحدى دول أوروبا الشرقية، وبالتحديد منطقة البلقان. وعند التدقيق في شأنه ستكتشفون انه لاعبٌ بلغاري، ويلعب لنادي صوفيا سلافيا، ولتكحيل العيون اختاروا له اسم «سالم»، بينما اختاروا لأبيه اسم «جابر»، ربما تيمناً باسم العالم العربي القديم جابر بن حيان! وعلى العموم، يبدو أن القائمين على تنفيذ سياسة التجنيس الرياضي في الخليج لديهم عقدة «السلامة»، ربما لأنهم يشعرون في أعماقهم أنهم يخطئون في حق شعوبهم عبر اعتماد هذه السياسة البشعة (التجنيس)، فتراهم لا يختارون إلاّ أسماء يشتقونها من «السلامة»: سالم وسليم وسلام وسليّم وسلملم!
لكن المشكلة الكبرى التي واجهتهم هي في اختيار اسم حركي للمجنّسة «شين زو»، وهي لاعبة شطرنج استطاعت أن تجلب للشقيقة قطر ميدالية «برونزية» في لعبة الشطرنج، ما شاء الله! برونزية مرةً واحدة! فهي بهذه المعجزة بطلةٌ تستحق أن تلبسها قطر وزنها ذهباً، حتى لو لم تجلب لهم غير البرونزية، ألا يعتبر ذلك إنجازاً خليجياً ضخماً يحق لنا أن نباهي به سائر الأمم؟
البطلة «شين زو»، اسمها يدل على انها جاءت من شرق آسيا، لكن لم تدلنا التحريات الصحافية على موطنها الأصلي. فاسمها يمكن أن يدخلك في متاهة قبل الوصول إلى معرفة بلدها الأصلي. كما ان أصحاب سياسات التجنيس لا يمكنهم إثبات قطريتها، لأن وجهها آسيوي من دون استخدام مكياج أو كريمات للبشرة! ومع ذلك يمكنك أن تقول انها صينيةٌ أو يابانيةٌ أو تايوانيةٌ، أو حتى كوريّةٌ شمالية، قبل أن تصدّق بأنها قطريةٌ أو خليجية! ومع ذلك قد تصرّ «جماعة التجنيس والهجرة» على أنها قطريةٌ أباً عن جد!
نحن في الخليج اعتدنا على استيراد كل شئ، نركّب مضخات النفط لشفطه من الآبار المدفونة تحت أقدامنا منذ قرون، ثم نبيعه لنستورد طعامنا وملابسنا وسياراتنا، و«شماغاتنا» وربطات أعناقنا وعطورنا، كل شيء يمكن أن تتخيلوه نحن نستورده. كل شئ مقابل النفط! وفي الطور الأخير من التقدم الذي بلغناه، أخذنا نستورد اللاعبين واللاعبات من مختلف أصقاع الدنيا، رافعو الأثقال من أوروبا الشرقية، ولاعبات الشطرنج من شرق آسيا، والربّاعون ورماة «الجلّة» من شرق وغرب إفريقيا... نرسلهم في معسكرات تدريب في أوروبا وأميركا، فقط من أجل أن يجلبوا لنا بضع ميداليات نرفع بها هاماتنا أمام أمم القارات الخمس!
سيقول القطريون: وماذا عنكم وعن «أبطالكم» وإنجازاتكم وبرونزياتكم؟ أنسيتم «بوني» و«جي سي» و«بي سي».. وتلك قصةٌ أخرى أكثر هزالاً?
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1571 - الأحد 24 ديسمبر 2006م الموافق 03 ذي الحجة 1427هـ