ينجح الأميركيون لأنهم يصدقون ما تنتجه جامعاتهم ومراكزهم العلمية من دراسات ونتائج علمية. ينجح الأميركيون أيضاً إذ يظهر درسهم «الأكاديمي» بوصفه مرآة لما يدور في الخارج، تظهر أكاديمياتهم متجاوزة لحدود التعليم وفق ذلك المنظور السكولاستيكي - المدرسي- الرائج هنا في الشرق، هذا الشرق المهووس بالميتافيزيقا، والخيالات، والكرامات، واختزال التنظير للمؤسسات وفرص نجاحها بحكمة شخوصها.
في الدرس الأكاديمي لعضو هيئة التدريس بجامعة البحرين سهى السعد كان لنا جميعاً أن نبحث اقتصادات السياحة في درس أكاديمي ممتع، كان كثيراً ما يتجاوز حدود التموقع في الحدود النظرية ليربط ما هو «خارج» الدرس الأكاديمي بما هو في «الداخل»، وكان لتقرير الرقابة المالية أن يأتى بالكثير من نتائجنا التي توصلنا إليها، لا عن براعة أو ذكاء أسطوري لدينا بقدر ما كانت فرص النقاش تلك مواتية لاستنتاج آراء دقيقة ومدللة. ولي أن أشيد بجميع من ساهموا في ذلك الدرس الأكاديمي من زملاء وزميلات.
تقرير ديوان الرقابة المالية أعطى مؤشرات مهمة على أخطاء جوهرية في التوجه الاستثماري في البحرين، خصوصاً فيما يتعلق بالاستثمار السياحي والاستثمار المالي. أما الخسائر التي تكبدتها «حلبة البحرين» المملوكة للدولة 100 في المئة فهي مؤشر خطير على أن الاستثمارات السياحية الخاصة قد تتعرض لنكسات موجعة، وهو ما سيجعل البحرين وبما يشمل موقفها المالي الذي تتباهى به في موقف محرج.
إن استثماراً لا يدار بتخطيط إستراتيجي مدروس بدقة هو مجازفة بمقدرات أبناء هذا الوطن وتلاعب بمستقبل أبنائه وأجياله القادمة، ورغم أن العديد من المؤشرات تدل على أن مشروعات حكومية أخرى ستؤول في النهاية لتسجيل خسائر مدوية إلاّ أننا نمسك عن البوح بها خوف أن تثور ثائرة القوم، لتصفنا بأننا أعداء الاستثمار والنمو، لذلك علينا أن نقبل بالخسائر «المباشرة» في مقابل الأرباح التي يصفها بعض الأحبة بأنها «غير مباشرة»!
النهوضان «الإماراتي» سابقاً و»القطري» حالياً، يمثلان معطيات دقيقة على صعيد الاستثمارات في القطاع المالي، والارتداد الأخير وخروج الشركات والمؤسسات من «دبي» جراء الأسعار الخيالية التي وصلت إليها المعيشة هناك لن يكون للبحرين أن تظفر بها في ظل هذا الارتفاع في أسعار الأراضي والخدمات، وعلى ما يبدو، فإن للشقيقة قطر تحديداً أن تكون الوجهة الجديدة لهذه الشركات والمؤسسات الهاربة.
أما في الحديث عن «الشفافية المالية» فلنا أن نمارس شيئاً من الصمت المحمود، عملاً على الأقل بنصيحة الزميل العزيز مبارك العنزي، والذي دائماً ما يقول لي «اهدأ»... حسناً.. أنا هادئ...?
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1571 - الأحد 24 ديسمبر 2006م الموافق 03 ذي الحجة 1427هـ