إنّ نوع المساعدات الذي غالبًا ما يؤمنها المتبرّعون الغربيون ليست بالضرورة الأكثر فاعلية للدول النامية. إنّ هذه المقاربة «النامية من الخارج» تسلّط الضوء على محورية مفهوم المتبرّع الخارجي، والتدخّل الإداري، وتدفّق المساعدات (قروض في غالبية الأحيان) إلى القطاعات العامة. يُفترض بذلك أن يُحسّن الحكم وبالتالي النمو الاقتصادي.
ومع ذلك، يبدو هذا النوع من المساعدات مسيطرًا على المؤسسات الخاصة السياسية والاقتصادية، جاعلاً البلاد تعتمد أكثر وأكثر على تلك المساعدات. إنّ نموذجًا جديدًا نسبيًا من المساعدة الخارجية نحو «النمو الداخلي» (منذ عشرين سنة) يبدّل الأمور من خلال المساعدة أولاً في تنمية المبادرات الخاصة. ضمن هذا النسق، تُصبح الحكومات المتلقّية أكثر اعتمادًا على نمو القطاع المحلي الخاص، وأقل اعتمادًا على المساعدة الخارجية. ويتطلّب تبنّي المقاربة الجديدة تغييراً حازماً لأساليب المساعدة القديمة: يبدأ الأمر من العفو عن دين القطاع العام الخارجي، ويشمل عزماً جديداً من قبل الحكومة للحدّ تماماً من القروض الخارجية التي يتلقّاها القطاع العام.
وتشكّل دبي مثالاً جيداً عن المقاربة الداخلية المُفلحة. من جهة أخرى، اختارت الحكومة الأفغانية السبيل الخاطئ لتلقّي المساعدة. ففي كل عام، تموّل المساعدات التي تتلقّاها أفغانستان نحو 50 في المئة من نفقات القطاع العام ورصيد هائل من تكاليف العجز. ويشكّل الدّيْن الخارجي للقطاع العام، غير المُدوّن بغالبيته، قسماً كبيراً من إجمالي الناتج المحلّي وتبدو الحكومة غير مُكترثة بتخفيض اعتمادها عليه. وتلحّ الحكومة حالياً بتوجيه من صندوق النقد الدولي على بعض المصالح التابعة للقطاع الرسمي بدفع الضرائب الباهظة، مُسيطرة بذلك على الاستثمار الخاص الجديد والنمو في قاعدة الضرائب. إنّ احتمالات زيادة مدفوعات خدمة الدين الخارجي والمكتنزات والواردات المُموّلة من المساعدات تقضي على حوافز الاستثمار الخاص والمحلّي. ومعظم المتبرّعين والحكومات المتبرّعة، من الغرب بغالبيتهم، يشككون في أفضل الأحوال، وعدائيين في أسوئها، تجاه تلك المقاربة الداخلية النمو، حتى أنهم يفشلون عندما يحاولون «دفع» النمو، لأنه أمر أشبه بالمستحيل.
ويفشل القطاع الخاص الرسمي في التوسّع، وما من نمو في توظيف القطاع الخاص. فالحكومات الأصغر والأقل تطفّلاً، ووجهات نظر القطاع الخاص المتعلّقة بالفرص التجارية والسياسية في الوطن والخارج، تحرّر المبادرات الاقتصادية والسياسية الخاصة. وتشكّل كلّ من الصين وتشيلي وهونغ كونغ وسنغافورة وموريتانيا أمثلةً على تلك المقاربة «الجديدة».
* دكتوراه في الاقتصاد، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند?
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1571 - الأحد 24 ديسمبر 2006م الموافق 03 ذي الحجة 1427هـ