العدد 1571 - الأحد 24 ديسمبر 2006م الموافق 03 ذي الحجة 1427هـ

إيران ومشروع المصيدة الأميركية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد أكثر من ثلاثة أشهر من المفاوضات نجحت الولايات المتحدة في جرجرة دول مجلس الأمن إلى إصدار قرار دولي تحت الفصل السابع. فالقرار 1737 ينص على مجموعة فقرات ضعيفة وتفصيلية ولكنه يضع كل تلك النقاط تحت بند رئيسي يطلب من إيران «وقف كل أنشطتها النووية الحساسة على الفور». وحدد البند الأنشطة الحساسة بمجموعة فروع تشمل «تخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة بما في ذلك البحوث والتطوير». وكذلك يطلب البند «وقف أي عمل على مشاريع مرتبطة بالمفاعلات التي تشغل بالماء الثقيل». وأشار القرار إلى برنامج «الصواريخ البالستية» في أكثر من مكان في محاولة منه للربط الضمني بين البرنامجين. وهذه الخطوة تلمح إلى وجود نية خفية لدى واشنطن بشأن تخوفها من مسألة الصواريخ البعيدة (العابرة للقارات) واحتمال تعرضها لضغط دولي لمنع طهران من مواصلة تجاربها في الحقل المذكور.

القرار إذاً صدر بعد اخذ ورد ولم يعد بالإمكان النظر إلى الوراء في اعتبار أن واشنطن اجتازت أهم عقبة وهي تدويل الملف النووي الإيراني ونقله من «الفصل السادس» إلى «السابع». فالقرار 1737 تعتبره واشنطن خطوة أولى ولكنها ضرورية حتى تستطيع استغلالها والبناء عليها بعد انتهاء المهلة الزمنية التي أجمعت دول مجلس الأمن على اعطائها لطهران حتى تعيد النظر بمواقفها وتراجع حساباتها وتوقف على الفور «أنشطتها النووية الحساسة». ماذا يعني القرار بالأنشطة الحساسة، وما هو تعريف مفردة «الحساسة»؟ إيران تقول إن أنشطتها سلمية وغير حساسة فلماذا يصر مجلس الأمن على وصف تلك الأنشطة بالحساسة؟ هذه المفردة التي تكررت في مقدمة القرار تشير إلى استعداد واشنطن إلى التسامح بالأنشطة غير الحساسة ولكنها ليست على استعداد للتهاون بالأنشطة الأخرى التي أصرت على وصفها بـ»الحساسة».

المشكلة تبدأ من هنا أي من التعريف أو التوصيف.فإذا كانت طهران أكدت مراراً أنها لا تنشط في المجالات الحساسة فلماذا تصر واشنطن على إصدار قرار يتصل بحقل نووي غير موجود أصلاً؟

هذا التعارض بين القرار والواقع يفتح الباب أمام احتمال وجود غايات أخرى تخطط لها واشنطن وتريد غطاء دولياً لاستخدامه في سياسات اعتمدت تكتيك التقويض و»الفوضى البناءة». هناك إذاً غايات أميركية غير مرئية من وراء اصرارها على إصدار قرار تحت «الفصل السابع». فهذا الفصل الزامي ويعطي صلاحيات للدول الكبرى بالتدخل المباشر أو من خلال فرض عقوبات للضغط على طهران ومنعها من التقدم في مجال إنتاج الطاقة السلمية وتنويع مصادرها في هذا الحقل.

إصرار الولايات المتحدة على الفصل السابع يدل على وجود سياسة تصعيدية تخطط لها واشنطن في السياق المذكور. فأميركا مثلاً كان بإمكانها أن تصدر قراراً قوياً وعنيفاً تحت «الفصل السادس» ولكنها مالت إلى تبني خطة مرنة تجيز إصدار قرار ضعيف ولكنه تحت «الفصل السابع». تفضيل الولايات المتحدة صدور قرار ضعيف تحت «السابع» على صدور قرار قوي تحت «السادس» يؤكد أن واشنطن تتجه نحو التصعيد. فالسادس لا يعطيها حق التدخل أما السابع فإنه يعطيها تلك الصفة بذريعة أن إيران تخالف الشرعية الدولية ولا تستجيب لرغباتها ضمن المهلة الزمنية.

هناك مهلة زمنية أمام إيران. وهذه المهلة لا تتجاوز فترة الشهرين (60 يوماً) وهي برأي واشنطن كافية للضغط وفرض العقوبات واختبار مدى قوة طهران أو استعدادها للرفض أو المواجهة. فالقرار صدر وفق ضوابط المادة 41. وهذه المادة تمنع استخدام القوة وتعطي فرصة لطهران بأن تراجع حساباتها فإذا وافقت على «وقف أنشطتها النووية الحساسة» ترفع العقوبات أو تعلق، أما إذا لم تستجب فمعنى ذلك أن أميركا تستطيع تطوير مواد القرار من خلال إقناع مجلس الأمن بضرورة إصدار قرار جديد أكثر عنفاً وقساوة.

زوايا غامضة

المسألة خطيرة وهي تستحق الانتباه والرصد والمتابعة من القيادة الإيرانية. فالولايات المتحدة لو أرادت إهمال الموضوع لاكتفت بإصدار قرار شديد اللهجة تحت «الفصل السادس» ولكنها أصرت على قرار خفيف اللهجة تحت «الفصل السابع» حتى تعتمد عليه بعد مرور مهلة الشهرين لتطويره باتجاه أعلى وأقوى. وهذا بحد ذاته يشكل مفارقه لابد من التعامل معها بجدية. فالاستخفاف والاستهتار وعدم الاكتراث للمزالق كلها إشارات لا تفيد وربما تخدم من بعيد ومن دون وعي تلك المخططات التي ترسم الولايات المتحدة خريطة طرقاتها.

وخريطة الطرقات تبدو إلى حد كبير واضحة المعالم من الآن وقبل نهاية المهلة. فإذا أوقفت طهران «أنشطتها النووية الحساسة» وهي غير موجودة أصلاً تكون إيران كسبت الجولة وتجنبت الوقوع في الفخ. وإذا لم توقف طهران تلك الأنشطة غير الموجودة في برنامجها النووي فمعنى ذلك أن واشنطن وجدت تلك الذريعة للبحث في مشروع قرار دولي جديد يعطيها صلاحية استخدام القوة لمنع إيران من مواصلة برنامجها في شقيه السلمي وغير السلمي. وبما أن «غير السلمي» لا وجود له أساساً تكون الولايات المتحدة ضربت المشروع السلمي بذريعة أنه يخفي أجندة سرية وغير سلمية.

إنها حكاية «مغارة علي بابا» وهي مبنية على روايات ملفقة ولكنها في النهاية قريبة أو تشبه كثيراً قصة «أسلحة الدمار الشامل» في العراق. فبغداد أكدت مراراً أنها لا تملك ذاك البرنامج وسمحت لفرق التفتيش الدولية بحرث بلاد الرافدين طولاً وعرضاً من دون فائدة وانتهت القصة باختراع الأزمة وافتعال الحرب واحتلال العراق تحت ستار الكذب وإخفاء المعلومات وتبين لاحقاً وبالملموس وبعد تأخر القطار عن موعده أن إدارة بوش هي الكاذبة والطرف الذي يخفي المعلومات.

هناك إذاً تجربة طرية وليست بعيدة زمنياً عن ذاكرة الناس. فهل تكرر واشنطن خطة العراق في إيران أم تكتفي بهذا القدر من العقوبات؟ المؤشرات تدل على وجود مخطط آخر تملكه واشنطن. والمخطط لا يمكن أن يأخذ مداه ويكتسب الشرعية من دون غطاء دولي. والغطاء الدولي لا يمكن انتزاعه دفعة واحدة ومن دون تنازلات أو تسويات مع دول كبرى وصاحبة مصلحة في إعادة رسم «خريطة الشرق الأوسط». وبسبب حاجة واشنطن إلى أدوات «شرعية» لاستخدامها في مشروع ترى انه «يستحق التضحية» ـ كما قال جورج بوش ـ قررت اللجوء إلى سياسة المساومة والسير في حقل الألغام خطوة بعد خطوة.

القرار 1737 يعتبر خطوة ثانية بعد القرار 1696 ويرجح أن تستتبعه واشنطن بخطوة ثالثة بعد انتهاء مهلة الشهرين في فبراير/ شباط 2007. وفي حال نجحت في إقناع الدول الكبرى في إصدار قرار ثالث في مارس/ آذار المقبل تكون الولايات المتحدة استدرجت إيران إلى المصيدة وهي لا تختلف كثيراً عن تلك التي نصبتها سابقاً للعراق. فالقرار الأول (1696) شكل خطوة تمهيدية للهجوم الأميركي المعاكس. وبعد أربعة أشهر تقريباً صدر القرار الثاني (1737) الذي رفع درجة حرارة الملف ووضعه في سياق التدويل. فإيران الآن باتت تواجه فقرات الزامية تعطي الدول الكبرى حق التدخل لوقف «الأنشطة الحساسة» وبما أن المفردة غير واضحة لانها تشمل زوايا غامضة ولكنها تتضمن فقرات خطيرة من نوع وقف «البحوث والتطوير» و»منع التعليم والتأهيل» وتعطيل برامج «الصواريخ البالستية». فهذه الزوايا التي وردت في تفاصيل القرار وبين ثنايا فقراته تشكل نقاط ارتكاز للإدارة الشريرة في «البيت الأبيض» ستقوم لاحقاً في تطويعها واستخدامها كمواد للبناء عليها في مشروع قرار ثالث تخطط لصدوره في الفصل الأول من السنة الميلادية المقبلة.

القرار 1737 خفيف في لهجته وثقيل في غاياته. فهو ينص على ملاحقة ووقف «الأنشطة الحساسة» غير الموجودة أصلاً ولكنه يربطها ضمناً بالأبحاث والتعليم والتأهيل وصولاً إلى برنامج «الصواريخ». وهذا الربط المصطنع يعطي السياسة الأميركية التدخلية صلاحيات استثنائية وسلطة قانونية تغطي لاحقاً احتمال لجوء واشنطن إلى القوة العسكرية لحسم المعادلة التي وصلت إلى شفير الهاوية?

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1571 - الأحد 24 ديسمبر 2006م الموافق 03 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً