توفي الرئيس التركمانستاني العظيم صابر مراد نيازوف، عن 66 سنة، إثر نوبةٍ قلبيةٍ مفاجئةٍ داهمته أثناء الليل، بعد أن قضى في السلطة 21 عاماً فقط! الأنباء التي أوردتها الوكالات مساء الخميس، من العاصمة «عشق آباد»، قالت إن مجلس الشعب سيجتمع الثلثاء المقبل لتعيين خلفٍ صالحٍ لنيازوف!
«الحاج» صابر نيازوف تولّى العام 1985 منصب الأمين العام للحزب الشيوعي في تركمانستان إبان الحكم السوفياتي، فلما سقط الاتحاد السوفياتي العام 1991، انتخب أول رئيس للبلاد وفق الطريقة الديمقراطية المفضّلة في الانتخابات العربية! وفي العام 1999، بعد أن ذاق حلاوة السلطة، أوعز إلى «المجلس التشريعي الأعلى» ليعيّنه رئيساً مدى الحياة!
خلال سنوات حكمه البلاد بقبضةٍ من حديد، أسبغ نيازوف على نفسه لقب «تركمانستان باشي»، أي «زعيم جميع التركمانستانيين»، وليس بعضهم فقط! فالرئيس لم يكن متسامحاً مع أي انتقاد يوجّه إليه لأنه حكيمٌ لا يخطئ، وكان يتعكّر مزاجه إذا سمع كلمة «معارضة»، ولذلك لم يسمح بوجود شيءٍ اسمه «معارضة سياسية»، ولهذا السبب سمح بتعذيب معارضيه في السجون، وداس بقدميه حقوق الإنسان، وكان يعتبر وجود إعلامٍ حرٍ نوعاً من الهراء!
نيازوف، كان كلما مرّت عليه السنوات في الحكم، كان يبدع في تقديم ما يثبت أنه رئيسٌ لا نظير له في الدنيا كلها، ولكي يذكّر الشعب التركمانستاني بأبوّته له، أمر قبل سنواتٍ بنصب تماثيله في كل أنحاء تركمانستان. أحد هذه التماثيل تمثالٌ مطليٌ بالذهب يدور مع دوران الشمس... أليست هذه قمة الفن والإبداع؟
ويبدو أن انتشار التماثيل لم يعد بعد فترةٍ يرضي طموحه العالي، أو ربما لم يعد التركمانستانيون يتوقفون أمامها يتأملون في جمال الرئيس بعد أن ألفوها لكثرتها، فعمد إلى تذكير الشعب بوجوده يومياً عبر إعادة تسمية أيام الأسبوع والشهور والسنة باسمه وأسماء أفراد عائلته! وعلى طريق تثبيت سياسة «عبادة الرئيس»، أطلق اسمه على ميناء بحري، وأخيراً... اعتبر نفسه شاعراً «ناجحاً» و«بطلاً قومياً»، كما كان يفعل عندنا الشاعر والروائي والمنظّر العسكري صدام حسين!
حتى في الانتخابات البرلمانية التي أجريت العام 2004، كان جميع المرشحين الذين شاركوا فيها من أنصاره، ولم يحضرها مراقبون أجانب، فمن شأن هؤلاء «العملاء» للامبريالية الأميركية أن يشكّكوا في الانتخابات النزيهة، وربما يشكّكون أيضاً في أبوّته للشعب التركمانستاني.
وممّا يعزّز هذه الشكوك، أنه لم تمضِ ساعاتٌ على إعلان وفاته، حتى طالبت فرنسا بـ «الإفراج عن سجناء الرأي»، ومادامت فرنسا طالبت بإطلاقهم، فإنهم جواسيس وعملاء للاستعمار الفرنسي!
تشييع جثمان نيازوف سيكون اليوم (الأحد)، فيما ستجتمع أعلى هيئة تمثيلية يوم الثلثاء، لتحديد من سيخلفه، والذي سيظل بدوره في الحكم 20 أو 30 عاماً أخرى، حتى يصاب بنوبةٍ قلبيةٍ بعد أن يبلغ السبعين أو الثمانين! وحتى موعد الانتخابات، سيتولى نائب رئيس الوزراء كوربانجولي محمدوف (49 عاماً) مهمات الرئيس مؤقتاً، وربما يعجبه الوضع فيقرّر إعلان الترشّح وحده للانتخابات ليفوز بالتزكية، كما يفعل نواب الرؤساء العرب!
في ردود الفعل الأولى، أعربت الجارة روسيا عن أملها أن تبقى تركمانستان على نهج الرئيس الصابر نيازوف، أمّا السفارة الأميركية في «عشق آباد»، فحاولت أن تدسّ أنفها كعادة الأميركان في كل البلدان، إذ أعربت عن «أملها» في انتقالٍ سلميٍّ للسلطة! سياسياً أيضاً، أعرب المواطنون عن الأمل في إلغاء القوائم السوداء للممنوعين من السفر للخارج، فيما قرّر المعارضون العودة من المنفى فوراً قبل أن يغيّر الحاكم الجديد رأيه فيغلق الحدود!
رحم الله الرئيس المؤمن الصابر طويلاً على الحكم مراد نيازوف?
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1570 - السبت 23 ديسمبر 2006م الموافق 02 ذي الحجة 1427هـ