من بعد الرحيل الفاجع للمناضل الوطني الشيخ عبدالأميرمنصور الجمري، حينما اشتعل وقتها الزمهرير في الضلوع والمفاصل، وسكن طائر الليل بصفير غربته الموحشة في أغصان القلب المنهك، ربما لن يتبقَى من ذكرى طيبة وفواحة بريحان الحب والوحدة الوطنية إلاّ ذكرى ذاك اللقاء التاريخي الذي تم في ليلة مباركة بجمعية الإصلاح في المحرق الشماء، حينما التم شمل الجموع الطيبة من المواطنين بمجيء ثلاثة من أبرز الشخصيات الوطنية والقيادات الشعبية ذات المسعى الشريف والطاهر والتوجهات الرامية إلى التقريب والتجميع على قلب وقالب وطني واحد، والالتئام بكلمة حق سواء، وهم الشيخ الجمري الراحل، والمناضل الوطني عبدالرحمن النعيمي أطال الله في عمره، والشيخ عيسى بن محمد آل خليفة رئيس جمعية الإصلاح أطال الله في عمره، والذي نحن بصدد التطرق إلى ذكره الطيب في حديثنا المقتضب.
الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة الرمز الوطني والقيادي الإخواني الإسلامي الرائد في البحرين ومنطقة الخليج، أعتقد أنه أولاً وقبل انتهاج أي خطى بـأنه أشهر من علم الوطن على رأس أي جبل أشم، فهو الشهم الصبوح السموح، فاتح بياض قلبه لجميع أبناء الوطن من شتى الطوائف والطبقات الاجتماعية، وكأنما قلبه الوطن كله، ليرتشفوا من حلاوة حياضه.
كما أنه ومن خلال ما تسلمه في حياته العملية الطويلة من مراكب ومناصب قيادية، طالما عُرف بالصدق والأمانة والنزاهة والإخلاص التي تنعم في ظلالها جميع من عاصره، كما انزعج منها وعلى الوتيرة نفسها آخرون هداهم الله!
وفي الوقت الذي أصبحت فيه الأعمال والمشروعات الخيرية أشبه ما تكون بالحلقات المتراكبة والمتراكمة على بعضها بعضا من مسلسل إدارة الفقر السياسي والمعيشي، لا نزال نشعل شمعة بيضاء لذكرى ازدهار تلك الأعمال والمشروعات الخيرية التي شملت بخيراتها وبركاتها الجميع، حيث لم تكن حينها أن استوطنت للأسف جسم الأعمال الخيرية والتطوعية عقليات الأحزاب العصبوية والمتاجرات السياسية.
وبعدما أوشك ضجيج الانتخابات وصخب المزايدات على التشتت، ومع التفاف حبال النفاق بالنفاق وتكسر الساق تلو الساق، ومع المزيد من تكاثر الجراثيم والطفيليات الانتهازية على شفاه الأمة التي استعصى عليها النطق بالحق، فيما يسيء إلى أبرز التيارات الإسلامية العريقة، عسى أن لا تكون دونما أخلاق أو التزامات مبدئية عقدية ولكن بأنياب ومخالب. ومع انتظار الوطنية والمواطنة والمواطنية كالمواسم التي تزرع فيها أنواع شتى من الخضار والفاكهة السياسية، فإننا نكون نحن الفرادى المستضعفون بأشد الحاجة إلى أن ننال ولو نزراً من وافر ظلال سدرتك الوطنية الراسخة والشاهقة، عسى أن نطرد من يتربص بحمامة الوطن الغراء لينتف ريشها ويبدده في عصف التيه والضياع.
شيخنا العزيز عيسى بن محمد... كم نحن بحاجة إليكم وإلى مبادراتكم الكريمة في هذه المرحلة الحرجة والحساسة التي يعاني منها جسد الوطن والوطن الأكبر من متلازمات احتقانات إثنية وطائفية متتابعة بفعل فاعل مجهول.
وفي الوقت الذي تتكعب فيه البيئة السياسية المحلية وكأنما هي من فعل بابلو بيكاسو، و تتمعّج شطائر المجتمع المنتهك بسريالية فاحشة كأنما هي جناية فنية لم يحلم بها قط سلفادور دالي، فإننا نترقب طلعتك السمحة لتكون في مقدمة المنازل العليا، عسى أن تعود الأمور إلى نصابها من جديد، وتعود مياه الحب والتآلف إلى مجاريها الطبيعية في ربوع الوطن الواحد، والتي لا تحتمل أن تبدّد ثرواتها لأجل مرتزق لا يستحق.
شيخنا العزيز... لينعم الله عليك بوافر من الصحة والعافية، ويطيل عمرك، ويبارك لك في رزق دنياك وآخرتك، وليحفظك للوطن وأبنائه أبنائك، واسمح لنا إطالتنا في التذمر والنداء والمناجاة، ولكنها آلام فراق رفيقك الشيخ عبد الأمير بن منصور الجمري (طيب الله ثراه) أحد أعلام النضال السياسي الوطني، وأبرز الساعين إلى فداء الوحدة الوطنية، هذه الآلام التي بإذن الله سيخففها عزاءً وسلوى وجود الوطنيين الشرفاء المبادرين من أمثالكم، وأمثال نضرة عديدة لن تتوقف بحريننا إن شاء الله أبداً عن إنجابها?
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1570 - السبت 23 ديسمبر 2006م الموافق 02 ذي الحجة 1427هـ