تابعت حوادث التسعينات، وقد كانت الحوادث في جزء منها تصب ضمن سياق المطالبة بعودة الحياة النيابية في البحرين، وهو الجانب الإيجابي، وفي سياق آخر كان لبعض العناصر رأي آخر أو أسلوب آخر هو ما كان له الأثر الكبير في تعميق الشرخ في العلاقات بين «السنة» و «الشيعة»، وتكريس الانقسام الطائفي في البلاد، والذي اتسع (هذا الانقسام) منذ بواكير الثورة الإسلامية في إيران وتداعياتها. الشيخ الجمري كان يلحظ هذا الانقسام، ولذلك لم يكن ليدع مناسبة أو فرصة للالتقاء بمشايخ الدين «السنة» إلاّ واغتنمها. ولعل أبرز تلك الفرص هي فرصة العريضة الشعبية، والتي جاءت بعد العريضة النخبوية التي ساهم فيهما الشيخ الجمري أيما مساهمة مع الشيخ عبداللطيف المحمود ومختلف الأطياف الوطنية.
الشيخ الجمري كان شديد الحساسية من الوضع الطائفي في البلاد، وكان يعي خطورة الموقف، فقد كان يتخذ التدابير اللازمة تارة بعد أخرى لعدم فهم أو تفسير حركة المطالب الشعبية وعودة الحياة النيابية على أنها حركة شيعية خالصة. وكان دائماً يرسل من خلال خطبه ومواقفه تطمينات عن هذا الأمر. السلطة في ذلك الوقت، استفرغت الجهد ووظفت العناصر التي تتسلل إلى شيوخ الدين «السنة» من أجل خلق الثغرات وتعكير صفو العلاقات بين الجانبين، ونجحت فيما بعد في ذلك، وقد ساعدها بعض المنتسبين زوراً وبهتاناً للحركة الجماهيرية، وبعض الطائفيين بامتياز. السلطة أرسلت عدة رسائل للفرقاء من «أهل السنة والجماعة»، فهي لم تعتقل أحداً منهم بغية إسباغ النزعة الطائفية على الجانب الآخر، وإرسال رسائل للمحيط الإقليمي، بأن حركة المطالبة بعودة الحياة النيابية وتفعيل الدستور هي حركة شيعية، وعلى ذلك اشتغلت السلطة أيّما شغل. بدأت بتفرقة الناس عن شيوخ الدين «السنة» المنصهرين في الحركة أو المتعاطفين معها، وأيضاً لم تنتهِ بالقبض على الشيخ الجمري وشيعة آخرين، وترك «السنة» للضغوط الشعبية المفتعلة أو التضييق عليهم في أرزاقهم. بالإضافة إلى القيام بتصوير التمثيليات الهزيلة عن الحركة المطلبية في التسعينات، وبث الشائعات والترويج في الإعلام وتخويف السنة من الشيعة بطريقة انطلت على الكثير من أبناء السنة. وها هو الوضع الإقليمي يعيد الخدمة مرة أخرى للسلطة اليوم! نتج عن ذلك؛ أن الكثير من أبناء «أهل السنة والجماعة» لا يشعرون بالانتماء إلى الحركة المطلبية، بل والبعض يعتبرها ضده! والبعض الآخر لا يعتبر المجلس النيابي (البرلمان الحالي) بمثابة استحقاق شعبي للسنة والشيعة نظير نضالاتهم بل يعتبره استحقاقاً شيعياً ليس له إلاّ الصبر عليه، وهذا ما يتجلى في خطابات بعض النواب الحاليين في أيام الانفراج السياسي في البلاد وتوقيع الميثاق! في حين أن آباء وأجداد «السنة» هم رواد المطالب الشعبية في البحرين منذ بدايات القرن الماضي، ومطالب المجاهد عبدالوهاب بن حجي الزياني ورفاقه واضحة ومدونة في التاريخ (حركة 1923)، وأبرزها تشكيل مجلس شورى منتخب من أهالي البلاد كافة. وأيضاً يشهد على ذلك حركة 1938، 1954 ،1956، 1965، 1968، 1972، 1974. جميع هذه المحطات النضالية شاركت فيها قطاعات عريضة من أبناء «أهل السنة والجماعة»، ما يحتم علينا إعادة كتابة التاريخ من جديد، والتأريخ لجيل جديد يطمح في حياة أفضل.
وعوداً على بدء، لعل مما يذكر لأبي جميل - رحمه الله - أنه يظل على رغم الموت باقياً بيننا رمزاً للوحدة الوطنية، وأنه نموذج يحتذى به في صموده وإجهاضه الأحابيل الطائفية المفتعلة، وقد ظفر بالنصر في نهاية المطاف. رحمك الله يا أبا جميل، ومن حياتك ومواقفك فليتعلم الناس مثالاً في الوحدة الوطنية، وتجاوز المشكل الطائفي وخطابات الطوائف?
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1569 - الجمعة 22 ديسمبر 2006م الموافق 01 ذي الحجة 1427هـ