لا أتمكن - مهما حاولت - من تقديم جزيل الشكر الى كل الذين شاركوا في كل النشاطات المتعلقة بتقديم العزاء للوالد الشيخ عبدالامير الجمري الذي وافاه الأجل المحتوم في صباح 18 ديسمبر/ كانون الاول الجاري... فعشرات الآلاف من الذين شاركوا في العزاء كانوا هم أصحاب المصاب، ومن هنا يمكن فهم الدافع للأمواج البشرية التي امتدت على طول شارع البديع مساء ذلك اليوم القارس البرد جداً الذي لم تشهد البحرين برداً مثله منذ أربعة عقود. الأرجل تكاد تتجمد، والجميع يسير نحو قرية بني جمرة حيث مراسيم الدفن... ومن ثم كانت الأيام اللاحقة في مأتم سار الكبير ، إذ احتشد المعزون من كل مكان، بينما سارعت فرق العمل والكشافة بتقديم الخدمات المطلوبة لرعاية آلاف الناس من كل مكان.
لقد ورد عن رسول الله (ص) قوله «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله»... وما رأيناه خلال الأيام الماضية لم يكن قليلاً، بل هو الحب الكبير الذي يربط بين الراحل وشعب البحرين والآخرين الذين يعرفونه من خارج البحرين. الشكر موصول لخلايا النحل التي عملت ليل نهار من دون كلل أو ملل، وأشرفت على المراسيم من بدايتها حتى نهايتها، والشكر موصول للآلاف الذين شاركوا في مسيرة «كسر الفاتحة» أمس من «دوار سار» حتى مقبرة بني جمرة، مع المحافظة على ضوابط المسيرة التأبينية، تماما كما خططت اللجنة التنظيمية التي قامت بجهود جبارة بدافع من حبها لشيخها الجمري.
رحل الشيخ الجمري بعد أن انتظر طويلا في معاناة مرضه، ولربما يكون الله اختار الموعد المناسب لذلك... فوفاته جاءت بعد ثلاثة أيام من افتتاح البرلمان، وبعد أن تعقدت الأمور قليلاً، وبدأت بعض الأجواء تتشنج... وعليه، فقد كانت وفاة الشيخ الجمري بمثابة «الجولة الثالثة» من الانتخابات، إذ احتشد الناس من كل مكان، وكان احتشادهم تصويتاً للإصلاح، وللمضي قدماً نحو بلد آمن يرعاه أهله، ومن خلال مشاركتهم المستحقة لهم.
في يوم أمس أعاد مشرفو المراسيم على مسامع الحاضرين إحدى خطب الشيخ الجمري التي أكد فيها سلمية المطالب واعتماد الحوار كاستراتيجية مركزية للتحرك نحو الإصلاح، نحو تبييض السجون من المعتقلين السياسيين وعودة المبعدين وتفعيل الحياة النيابية... تلك كانت خطبة قبل أكثر من عشر سنوات مضت، وها نحن نعيش جانباً من تلك الإنجازات، وأمامنا الكثير لنعمله من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والمشاركة المستحقة في القرار.
تحية إجلال لجميع من تآلفوا فيما بينهم واستوحوا من رحيل الجمري دروساً في الايمان بالمبادئ وخدمة الناس وحب الوطن... فتلك كانت حياة الشيخ الجمري، وهكذا كان رحيله الى الرفيق الاعلى... ذكرى لمن عرفه وأحب عمله?
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1569 - الجمعة 22 ديسمبر 2006م الموافق 01 ذي الحجة 1427هـ