نفت وزارة الأشغال أمس ما نشرته «الوسط» من تعطّل محطة توبلي لمعالجة مياه الصرف الصحي، لمدة ثلاثة أيام... والحمد لله!
الوزارة كما يبدو كان يهمها أن تنفي عن نفسها تهمة التسبب في نفوق تلك الكمية الكبيرة من الأسماك، والحمد لله أنها طلعت براءة!
وسواء تعطّلت المحطة أم ستتعطل مستقبلا، فالأسماك نفقت، ومخلفات الصرف الصحي تجاوز ارتفاعها خمسة أمتار، وهي إدانةٌ جديدةٌ لاثنتين من وزارات الدولة: الأشغال والبلديات معا، فضلا عن الهيئات الرسمية الأخرى المعنية بحماية البيئة والحياة الفطرية.
كارثة خليج توبلي نشرنا عنها عشرات التحقيقات وكتبنا عشرات المقالات، وشخصيا رافقت النشطاء البيئيين والبحّارة أربع مرات لزيارة الخليج، فضلا عن متابعتي لوضع الخليج بحكم القرب الجغرافي لمنطقة سكناي. في إحدى الزيارات توقفنا أمام قارب يعمل على متنه آسيويان، وطلبنا أن يطلعانا على صيدهما، فأعطيانا سمكة صغيرة، شق أحد مرافقينا بطنها ليرينا كتلة طينية سوداء.
وضع الخليج لا يحتاج إلى بيان نفي لتبرئة هذه الوزارة أو تلك، فنحن أمام جريمةٍ كبرى، تشارك فيه وزارات الدولة، بدل أن تقاتل لحماية البيئة والحفاظ عليها. وهي المهمة التي تهبّ من أجلها الصحافة المسئولة، وجماعة من البيئيين الغيارى على عذرية هذا الوطن.
قبل شهرين كتبتُ عن زيارتي الأخيرة لدبي، وخصوصا الخور الجميل الذي كاد يتحوّل إلى مستنقعٍ آسنٍ في الثمانينيات بسبب تفريغ مياه المجاري فيه، وتداركهم مبكّرا للمشكلة، بإقامة نظام الصرف الصحي. ونحن منذ خمس سنين نحشّد ونحرّض ونستثير الحمية الوطنية في مقالاتنا وكتاباتنا وتغطياتنا ونحذّر من الكارثة، ولكن عمك أصمخ! هذه أرضنا وبلدنا وبيئتنا، فإذا لم نملك الغيرة على صيانتها وحمايتها... فلماذا لا نستقيل؟
هناك في دبي تداركوا الكارثة وأبقوا على خليجهم الذي يقصده السيّاح من كل مكان، ونحن نمتلك خليجا من أجمل وأهدأ الخلجان ونقوم بقتله. وهو ما تيقنت منه في زيارتنا للخليج قبل عامين، منظرٌ خلابٌ تراه من الجهات الأربع، بينما كان القارب الصغير يتحرّك ببطء بين الروائح الخانقة وكتل الأوساخ الطافية.
قبل عامين، وبعد زيادة الضغط الإعلامي على الوزارات المقصّرة لدفعها للقيام بواجبها، شكّلت لجنةٌ مشتركةٌ أغرقتنا بالوعود، من جلب شركة أجنبية وإجراء دراسات لإنقاذ الخليج، حتى نمنا تحت التخدير. وبدل الشروع في تنظيف الخليج منذ الشتاء الماضي، نصحو اليوم على مخلفات ارتفعت خمسة أمتار!
قبل عامين زار وزير البلديات حينها، منصور بن رجب الخليج، وأوعز للعاملين في وزارته بنشر رسوم هندسية خرافية لتحويل الخليج إلى موقع سياحي عالمي. حينها طالبنا الوزير بالتواضع قليلا، والعمل فقط على تنظيفه لا أكثر. أما اليوم، فيعيد خلَفُهُ الوزير الجديد جمعة الكعبي نثر الأحلام نفسها، بتحويل «خور الكاب» إلى موقع سياحي متنوع، تتناثر حوله المطاعم، ويجاريه في ذلك رئيس مجلس بلدي المنامة (الوفاقي) بأن المقترح يتضمن استغلال الأراضي الملاصقة للخور لعمل مجموعةٍ من المطاعم المعلّقة! مطاعم معلّقة فوق خليجٍ حوّله إهمالكم إلى أكبر «بالوعة» مفتوحةٍ في منطقة الخليج والشرق الأوسط!
رحم الله والديكم... رحمة بأعصابنا! فقط تخيّلوا أن تتناولوا طعام العشاء مع عوائلكم وروائح المجاري تخترق أصداغكم! لا نريد مطاعمَ معلقةَ ولا غير معلقة! نحن لا تنقصنا المطاعم ولا المشاريع السياحية، وإنّما تنقصنا الكرامة الوطنية والغيرة على ترابنا وأرضنا وبيئتنا المنتهكة.
حلوة... «المطاعم المعلّقة»! تذكّروننا بحدائق بابل المعلقة! كثّر الله خيركم! نريدكم فقط أن تنظّفوا الخليج! اصدقوا معنا مرة واحدة فقط... وأجيبونا على هذا السؤال: متى ستقومون بواجبكم وتحترموا تعهداتكم... وتبدأوا فعلا بخطة التنظيف؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2467 - الإثنين 08 يونيو 2009م الموافق 14 جمادى الآخرة 1430هـ