بث موقع هيئة الإذاعة البريطانية ملخص دراسة أجرتها منظمة الشفافية الدولية (Transparency International)، وعبرت فيها عن خشيتها من احتمالات «أن تؤدي الأزمة المالية إلى ارتفاع معدل الفساد في الشركات الخاصة». وحذرت الدراسة من لجوء الشركات الخاصة إلى توزع ما أطلقت عليه صفة «حلاوات» للتأثير على القرارات الرسمية. واعتبرت أغلبية العينة التي شملتها الدراسة «أن الأكثر فسادا هم الأحزاب السياسية». وأكثر النتائج المثيرة للاستغراب هي أن «ارتشاء القطاع الخاص للساسة مستفحل في جورجيا وأرمينيا، ولكنه مسألة خطيرة في كندا والولايات المتحدة كذلك». ومن بين التساؤلات التي رفعتها الدراسة تلك التي من نمط «هل تدفع الأسرة الفقيرة رشوة لكي يفحص الطبيب ابنها المريض أو تصرف المبلغ لشراء القوت؟» هذه الأوضاع المتردية هي التي دفعت برئيسة المنظمة هوجيت لابيل رئيسة المنظمة إلى القول «إن هذه النتائج تكشف عن جمهور عركته أزمة مالية تسبب فيها ضعف الرقابة وغياب المحاسبة».
وهناك الكثير من الشواهد المعلنة التي تعزز من استنتاجات هذه الدراسة، ففي مطلع العام 2009، وكما جاء على الموقع ذاته، اتخذ أعضاء مجلس الشيوخ في ولاية ايلينوي الأميركية قرارا بالاجماع، لعزل «حاكم الولاية رود بلاغوجيفيتش المتهم بعرض مقعد السناتور باراك أوباما على من يدفع أكثر من سواه». ووصف السناتور دايل رايتر الحاكم المتهم بأنه «سياسي وقح وماكر وفاسد، وهو شخص يجب حماية سكان هذه الولاية منه».
وفي مارس/ آذار 2009 أيضا ناشد البابا بندكتوس السادس عشر بابا الفاتيكان، خلال جولته الإفريقية سكان تلك القارة سكان القارة الإفريقية تخليصها «من الفساد مرة واحدة وإلى الأبد».
وقبل ذلك وتحديدا في شهر فبراير/ شباط 2009، كشفت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقات شملت مجموعة من كبار ضباط الجيش الاميركي الذين «أصبحوا هدفا لتحقيق في قضايا فساد تتركز على جهود لإعمار العراق وتبلغ قيمتها 125 مليار دولار». من بين أولئك الضباط، وحسب ما أوردته الصحيفة كان «الكولونيل انتوني بيل الذي كان مسئولا عن عقد يتعلق بإعادة إعمار العراق في عامي 2003 و2004».
أما في تركيا، فقد أرجعت الكثير من الصحف اليومية هناك تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية التركي، رغم فوزه في الانتخابات الأخيرة إلى تزاوج «الأزمة والفساد»، اللذين ضربا طموحات الحزب. وكان طوفان تورنتش المحرر في صحيفة حرييت، صريحا جدا حين كتب قائلا: «مع انتهاء الربيع الذي كان مخيما على الاقتصاد العالمي، خسر حزب العدالة والتنمية التمويل الأجنبي الذي كان يعزز موقعه. وإذا أضفنا إلى ذلك الفقر والفساد والبطالة، فهذا جعل قاعدة حزب العدالة والتنمية الانتخابية تبدأ بالتراجع».
ويبدو أن بلداننا العربية كانت هي الأخرى عرضة لظاهرة تزامن تزايد إنتشار «وباء» الفساد مع تفاقم الأزمة المالية في البلاد العربية. فعلى امتداد الأشهر الستة الماضية طفت على سطح الإعلام العربي الكثير من تصريحات المسئولين العرب المحذرة من مغبة انتشار الفساد، جراء استفحال الأزمة المالية، في صفوف العديد من المؤسسات الرسمية ورجالاتها.
ففي شهر أبريل/ نيسان 2009 اضطرت وزارة العدل الأميركية إلى الكشف عن صفقة فساد نفذتها شركة «لاتينود» (Latin Node Inc.) المسجّلة في ولاية فلوريدا، بعد أن اعترفت الشركة «بمخالفة قوانين حظر الفساد والتورّط بدفعات غير مشروعة في بلدين، هما هندوراس واليمن. ووافقت الشركة على دفع غرامة بقيمة 2 مليون دولار».
وفي الشهر ذاته، انبرى حاكم إمارة دبي بدولة الامارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن راشد المكتوم، كي يتعهد علنا بمكافحة الفساد قائلا: «إن الملاحقات القضائية الحديثة تظهر جدية السلطات». ولم يخف المكتوم تلك العلاقة بين الأزمة المالية التي بدأت تعصف بإمارة دبي حينها، وبين تنامي تفشي ظاهرة الفساد، حيث وجدناه يقول «إن الاقتصاد سيأخذ مساره في التعافي خلال العام الحالي. ونحن بخير، وقد عبرنا الأزمة بأقل قدر من الخسائر... الأسوأ مرّ وصار وراءنا، ولا مكان للفساد والفاسدين. وفي كل قضايا الفساد لا تتم مقاضاة الفاسدين ومعاقبتهم فقط.. ولكن يتم سد أية ثغرة إدارية وقانونية استغلوها لارتكاب جرائمهم». جاءت تلك التصريحات الدبوية إثر اتهامات لوزير سابق بجناية «اختلاس أموال عامة والإضرار بمصالح الدولة».
وفي مايو/ أيار 2009 عرف العراق حملات مكثفة، قريبة جدا من حملات المداهمات العسكرية، لمكافحة الفساد، ووصل الأمر برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن يقف علنا، في خطاب ألقاه أمام كبار زعماء عشيرة (شمر) كي يطالب بتكثيف حملات «مكافحة الفساد في العراق». وللعلم تضع منظمة الشفافية الدولية العراق في المركز الثالث بين دول العالم الأكثر فسادا، ولا تسبقها في ذلك سوى الصومال وميانمار. ووصل الفساد قمته إلى درجة أرغمت رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، على قبول استقالة وزير التجارة في حكومته عبدالفلاح السوداني، نظرا لتفشي رائحة الفساد في وزارته إلى درجة أزكمت الأنوف.
هذا قليل من كثير ما يزال لم تطاله وسائل الإعلام، بما فيها العربية. وعلينا توقع المزيد من تمظهر حالات الفساد مع تنامي الأزمة المالية وازدياد حدتها في البلدان العربية، بما فيها دول الخليج العربية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2467 - الإثنين 08 يونيو 2009م الموافق 14 جمادى الآخرة 1430هـ