العدد 1567 - الأربعاء 20 ديسمبر 2006م الموافق 29 ذي القعدة 1427هـ

«اقتصاد المستقبل مختلف»

هشام عبدالرحمن خليفة comments [at] alwasatnews.com

«اقتصاد المستقبل مختلف», هذه مقولة من قبل شخصية «كابتن جين - لوك بيكارد» في سلسلة أفلام ومسلسلات الخيال العلمي «ستار ترك» (رحلة النجوم) سمعتها في إحدى صالات العرض عندما كنت طالب اقتصاد في بريطانيا. وكأي طالب اقتصاد, شدني الفضول للتحقق من معنى أو مغزى هذا الكلام الذي كتبه شخص ما في هوليوود.

باختصار, دعنا نقول إن الستار أزيل عن عالم خيال «ستار ترك», وما بدا كحلم جميل لمستقبل يسعى فيه الإنسان للرقي والعلم ظهر على حقيقته. والحقيقة هو أن العالم المبتكر في برنامج «ستار ترك» ليس يتوبيا بمعنى الكلمة. فبينما يستكشف الإنسان الكون بمركبات فضائية لا تقدر بقيمة مالية «لأن في المستقبل المال ليس مهم», كما يقول «الكابتن بيكارد», ويسود الأرض السلام والتسامح بين جميع أبناء آدم, هناك وجه داكن لهذا الأمر «النبيل».

الـ «فيدرالية الفضائية» في «ستار ترك» ما هي إلا دكتاتورية عسكرية تحتوي على شبه ديمقراطية منبعثة من منظور اشتراكي. فهناك خطورة في إهمال دور المال في أي مجتمع. حتى لو استطاع الإنسان أن يطور نظاماً يعتمد على أساليب مختلفة تتناسب مع العرض والطلب, فسيعود الأمر إلى المال مهما حدث. فالمال هو الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يجرد القيمة بتناسق مستقل لكل ما هو معروض أو غير معروض.

قد يستغرب القارئ لهذا «الهجوم» على مجرد برنامج خرافي يهدف للتسلية. لكن ما هو الغريب في القول بأن عالم «فيدرالية» «ستار ترك» المستقبلي موجود اليوم؟ نعم, موجود. ليس في الولايات المتحدة ولا أوروبا, بل في بلداننا العربية.

فكم من دكتاتور عربي قاد شعبه ضمن شعار «حركة نصر وتحرير وفتح» إلى «قمع ونهب سياسي - اقتصادي»؟ من الهلال الخصيب إلى الصحارى, لا يخلو الوطن العربي من جماعة القادة الخبثاء الذين يتظاهرون بالرقي عبر بناء المباني والمصانع العملاقة بينما شعوبهم تعيش في دين مستديم وتحت سقف الفقر.

لهؤلاء القادة, المال حقاً غير مهم. غير مهم ليس لأنهم لا يريدونه, بل لأنهم يملكونه بلا نهاية, بينما يبخلون على شعوبهم حتى بالقليل. هناك من أصحاب النفوذ من يرسلون أموالاً طائلة إلى الخارج, بينما يصعب على عامة الشعب حتى فتح محل صغير. فسر يوتوبيا القادة هؤلاء هي البيروقراطية الاستعباطية, والتي تستنزف من الطالب أموراً تفوق طلبه.

وماذا عن «مركبات الفضاء» في العالم العربي؟ هي موجودة, بأشكالها وألوانها, من المباني التافهة التي لا تفيد الشعب, إلى المشروعات الضخمة التي تفوق الحاجة. فالفارق الوحيد بين مركبات العالم العربي وتلك في «ستار ترك» هو أن مركبات «ستار ترك» على الأقل تؤدي إلى رقي في المعرفة والعلم. أما المباني الخرسانية والزجاجية فما هي قيمتها؟ فما هو إلا عذر آخر للقول بأن «المال ليس مهم, المستقبل أهم». لكن من ترى, يضحك على من؟

كما يقال, الحقيقة حقاً أغرب من الخيال?

العدد 1567 - الأربعاء 20 ديسمبر 2006م الموافق 29 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً