لما قست الأيام وأدبرت بوجهها عن أبناء هذه الأرض، كان حلم العدل يتطاير في مخيلة أهل المظالم، وبدا وشاح الصبر لا يتماسك على وجوه ثلة تصوم بغير إرادتها، فسخرت الأقدار لمصير بلادنا من يعطي ولا يأخذ، من يُظلم ولا يَظلم، من يبتسم في وجه جلاده، من يتوضأ بدموع بلاده، هو من انتزع أسهم الكبت ورماح الصمت من قلوب أهل البحرين سنةً وشيعة، فكان شيخاً جمرياً يذكر المحرق في هم الدراز، ويقحم الرفاع في أشجان بني جمرة، لذلك أحبّنا وأحببناه، وأسكناه مكاناً علياً في قلوبنا، يليق بقدره وصدق عبراته عندما اشتاق إلى هذا الشعب اشتياق يعقوب إلى يوسف. وبدلاً من أن يزف إلى البرلمان الذي ناضل من أجله شعب البحرين، فقد حمل على الأكتاف سعيداً بلقاء مولاه ملك الملوك، وكان عرساً امتزجت في جنباته عناقيد الأمل بأغصان اللوعة، وكانت غصةً في حلوق مودّعيه لمن كان فيهم عصيّ الدمع متظاهراً بزهد الاحتساب، إلا أن عبرةً حرّى قد انتصرت على بأس الرجال، وما عاد السلوان دواء لهذه الوحشة، وما كان لهذا الأمر غير الرضا بقضاء الحي القيوم، فما غاب عن هذه الأرض من أحبها، ولا هي تنكّرت في يوم لمن أخلص لها، فهي كما نعتها الأولون بطيبتها تحتوي جميع أبنائها، فما بال من احتواها بما احتوت، وداوى جراحها كلما ثار في وجه الناس ظالم. ما عاد سراً خافياً ولا يليق أن يطوى في رداء الذكريات، أن حنان الشيخ عبدالأمير الجمري لما جاوز حدود بني جمرة وامتدت طيبته إلى أطراف المحرق، فقد ولد ذلك الإحساس فينا شعوراً يوجب أن نصفه بأقل مما يستحق، وكان ذلك بأن تشرفت وأطلقت عليه لقب «سماحة الأب الحنون» عندما كنت أقسو على الظلم في المواقع الإلكترونية تحت اسم مستعار، ولا يعرف ذلك الأمر إلا الخواص المقربون، أما الآن فلا أستطيع إلا بيان ذلك، تكريماً لذكراه، وأملاً في قيام رجال دين يسيرون على خطه الوطني النبيل.
نأمل بأن تتكرر تلك الألفة التي جمعت بين الفقيد الراحل وأحد أبرز علماء السنة في التسعينات من القرن الماضي، لنستعيد تلك الذكريات الجميلة التي أزعجت الأعداء، وما عاد مقبولاً أن تستمر تلك العزلة بين النظام والشعب، وهي إشارات قد استوعبناها في مراسم تشييع الفقيد، وما بين السطور يكفي لإيصال هذه الرسالة بكل ما تحتوي من معانٍ ومضامين جلية... وكما يقول الشاعر:
ألا لا تزين الدار إلا بأهلها
على الدار بعد الضاعنين سلام?
إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"العدد 1567 - الأربعاء 20 ديسمبر 2006م الموافق 29 ذي القعدة 1427هـ