الحديث عن «الوفاق» كجمعيةٍ وطنيةٍ تملك أكبر كتلة برلمانية، يعني الحديث عن الشأن السياسي العام في البلد، ومن يعمل بالشأن العام ليس فوق النقد، وما يقوم به هو قابلٌ للنقاش والتمحيص والنقد والتفنيد والتأييد، ولا تدّعي «الوفاق» لنفسها قدسيةً أو حصانةً من النقد. تلك مسألةٌ بديهيةٌ مفروغٌ منها.
الوفاق أيضاً، ليست اتحاداً للجمعيات الدينية أو الصناديق الخيرية، وإنما هي جمعية سياسية، والجمعيات السياسية ليست فوق التقييم والنقد، وخطواتها وسياساتها كلها قابلةٌ للتقييم والمحاسبة، ومن حقّ الجمهور أن يحاسبها، كما من حقّ الصحافة الوطنية المسئولة أن تقيّم أداءها وتلقي الضوء على أخطائها إذا أخطأت، من دون أن «تستأذن» قبل النقد.
تلك مقدمةٌ لابد منها لئلا يُحمل أيّ انتقاد لخطواتها الأخيرة، أو القادمة، على أنه أمرٌ شخصيٌ، أو كيديٌ، أو مشاركةٌ مع الأقلام الأخرى المشبوهة في الضرب تحت الحزام. والأهم أن نعي، كأفراد وكمجتمع، دور «الوفاق» اليوم، فهي لا تمثّل ولا ينبغي لها أن تمثل طائفةً، وإنّما تمثل الوطن والشعب، وحصرها في لون طائفي واحد هو أفضل خدمةٍ يمكن تقديمها للمتربّصين بالوفاق.
ثم إن «الوفاق» كانت جزءًا من التحالف الرباعي طوال أربع سنوات، والتحالف كان يمثّل التجلي الأخير للحركة الوطنية الشعبية المطالِبة بالتغيير والإصلاحات منذ عقود. وإذ دخلت الوفاق البرلمان فينبغي ألا تنسى أنها تمثل هذا التحالف ورمزيته أيضاً ولا تمثّل نفسها فقط.
الحديث عن التحالف ليس مسألةً عاطفيةً إطلاقاً، وإنّما لها بعدها السياسي العميق، عند النظر إلى تاريخ الحركة الوطنية التي سعت لتكون البحرين وطناً يسع الجميع، ويحتضن أبناءه من دون النظر إلى الطوائف أو الأعراق أو القبائل و«الأفخاذ»، ليعيشوا في ظلال حياةٍ حرةٍ كريمةٍ. من هذا المنظور، أصبحت الوفاق وارثة للنضال الوطني في هذه الفترة من تاريخ الشعب البحريني. وهي حقيقةٌ لابد من الإقرار بها، سواءً وعت «الوفاق» ذلك أم لا، عملت وفقه أم تصرّفت خلافه.
وعلى ضوء هذه الحقيقة من حقّنا، كمواطنين أن نقيّمها وننتقدها، ومن حقّها علينا أن نكون صادقين معها، فيما نوجّه إليها كصحافةٍ وطنيةٍ ملتزمة، من انتقادات. والمفروض أن تتصرف الوفاق على انها مسئولةٌ عن حمل شعلة النضال الوطني في هذه المرحلة، وهو ما يستدعي توسعة نطاق الرؤية ليتسع للجميع، فأداؤها لن يمثلها وحدها، بل سيشمل بقية الأطراف الوطنية والإسلامية المستقلة قبالة طروحات الموالاة. هذا الأمر يدعو للتفكير طويلاً، لضمان استمرار التواصل والتشاور بما يضمن تحقيق أهداف الحركة الوطنية، وتفويت الفرصة على عملية الاستفراد بالوفاق.
بعد خروج نتائج الجولة الثانية من الانتخابات، أرسلت بعض أطراف التحالف إشارات عن استعدادها لتشكيل لجان استشارية للمتابعة والدعم، وهو أمرٌ تحتاج إليه «الوفاق» حتماً، لتوفّر على نفسِها الكثير من المشكلات والمطبات. آخرها، ما بدأت به «الوفاق» مسيرتها البرلمانية، بشأن «مقاطعة» الجلسة الافتتاحية وتفويت جلسة توزيع المناصب القيادية، وهو أمرٌ أثار الكثير من الجدل بشأن فائدته «الصوتية»، وأضراره «المادية» الكبيرة على مدى أربع سنوات مقبلة، وخصوصاً بعد توزيع المناصب القيادية وتشكيلة «المكتب» الذي يحدّد طرح أو استبعاد مناقشة الموضوعات والمقترحات المدرجة للنقاش في البرلمان، بما يضيق عليها الحركة.
الخطوة من أساسها لم تكن مفهومة، والمبرّرات التي قدّمت لم تقنع حتى حلفاء الوفاق، وسيظل الجمهور ينتظر توضيحاً لما جرى، من حرق ورقة (جوكر) كان من المفترض ادخارها إلى وقت الحاجة بعد شهور طويلة أو سنوات?
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1567 - الأربعاء 20 ديسمبر 2006م الموافق 29 ذي القعدة 1427هـ