لا يمكن أن تصلح أمور الأمم والشعوب، طالما غابت متطلبات الحياة الأساسية من عمل ومسكن ومأكل... فغيابها يشكل أزمة إنسانية بمعنى الكلمة، وهو الأمر الذي نلمسه في معظم مجتمعاتنا العربية من المحيط إلى الخليج.
فحالات البؤس التي تتولد لسد ثغرات الحاجة عند الإنسان تدفع به في بعض المجتمعات إلى الخروج في الشارع بحثاً عن أساليب وطرق يكسب فيها المال بشتى الوسائل، بدءاً من التسول وصولاً إلى الدعارة بأنواعها، والأخيرة هي من أقدم المهن في التاريخ.
إن مثل هذه الأمور لا تتفاقم إلا في ظل وجود خلل في أنظمة الحكم التي لا تتكفل بتوفير متطلبات الدولة الحديثة لمواطنيها إلا في بعض الجزئيات الشكلية وخصوصاً في الدول التي لا تنعم باقتصادات قوية أو ثروات نفطية تتكلل في دخلها القومي، وهو للأسف واقع نجده في معظم دول المغرب العربي التي تعيش معاناة حقيقية إن لم تكن أزمة تدفع بالهجرات الشرعية وغير الشرعية إلى دول أوروبا الجنوبية. إذ لا يمكن إغفال مشهد اصطفاف مواطني المغرب يومياً في طوابير طويلة على امتداد الشارع عند مباني السفارات الأوروبية في مدينة الدار البيضاء بانتظار تأشيرات العمل والهجرة والحياة التي توفر لهم العيش بكرامة ورغد.
لن نقول إن اقتصادات هذه الدول عليها أن تدعم من قبل دول عربية أخرى غنية كدول الخليج، فحتى لو استثمرت فلن يكفي ذلك في حل أزمات المغرب العربي الاقتصادية، بل من الضروري امتصاص هذه المشكلة بوضع خطط وحلول استراتيجية جادة من أجل تحسين أوضاع هذه المجتمعات التي قد لا يختلف واقعها حتى عن بعض دول المشرق العربي، تبعاً لظروف كل بلد.
إن الواقع الخجول الذي تعيشه مجتمعات دول المغرب العربي وخصوصاً في بلد مثل المغرب، لا يرتقي مع مستوى إصلاحاته الجريئة التي تميزه عن الدول العربية الأخرى، إلاّ أن المغاربة مازالوا ينتظرون الكثير من الأمور التي تحتاج إلى وقفة صادقة وإعادة نظر لما يصاحب واقعهم الذي لا يتناغم مع الصورة التي يمكن للزائر أن يراها في حي «اكدال» الراقي في أحد ضواحي الرباط، وبين الأزقة والأحياء القريبة منه أو الموجودة في الدار البيضاء، وهو أيضاً ما يعبر عن اتساع الهوة الطبقية في المجتمع المغربي، فالغني يبقى غنياً، والفقير يبقى فقيراً يصارع الحياة في نضال مستمر بحثاً عن الخبز، في صور شتى تثير النفس... كالذي قالته لي سيدة مغربية بسيطة ترتدي جلباباً وهي تتحدث عن نفسها وأبنائها: إما جائعون أو عاطلون أو مهاجرون أو ناقمون... والقليل من ينعم بحياة كريمة. وهي الصورة التي نقلها أديب المغرب الكبير الراحل محمد شكري في روايته المشهورة «الخبز الحافي»?
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 1567 - الأربعاء 20 ديسمبر 2006م الموافق 29 ذي القعدة 1427هـ