مراسم الفاتحة على روح الوالد المغفور له تنعقد في مأتم سار الكبير، والبعض سأل لماذا تم اختيار مأتم سار؟ والإجابات عن السؤال متعددة... فمأتم سار هو أكبر مأتم - من ناحية حجم القاعة - في البحرين كلها، وأي نشاط كبير يحتاج الى مكان واسع؛ لذلك فإن مأتم سار سيكون خياراً نوعياً. كما ان الشيخ الجمري إنما هو لكل البحرينيين، ولذلك ليس هناك ما يحد من انعقاد المراسم في مكان آخر غير مسقط رأسه (بني جمرة).
سار كانت قرية صغيرة نائية وبعيدة عن شارع البديع في سبعينات القرن الماضي، ويحتاج المرء الى أن يمشي نحو 45 دقيقة من محطة النقل العام الى داخل القرية، والمأتم الحالي يقع في «بر سار»، أي البر المحاذي للقرية سابقاً.
اليوم، تعتبر سار مدينة صغيرة متكاملة، ففيها الكثير من المعالم. اسمها أصبح من أكثر الأسماء المعروفة لدى المواطنين والأجانب، والمكان المفضل للسكن لكثير من الناس لأنها تتوسط المناطق، والطريق إليها سالك من عدة جوانب.
سار يسكنها نحو 4 آلاف من أهلها الأصليين، و4 آلاف انتقلوا للسكن فيها خلال السنوات العشرين الماضية، ولكن أهالي القرية القديمة يعتبرون من أفضل الأهالي في التنظيم، ولديهم نادٍ وصندوق ومأتم، والمؤسسات الثلاث متعاونة فيما بينها وهناك لجنة مشتركة تجمعهم. وفي سار لا يوجد إلا مأتم واحد، بخلاف بقية المناطق التي يوجد فيها أكثر من مأتم تتنافس فيما بينها على نشاطات هنا وهناك... والفضل في توحيد المآتم وتأسيس «مأتم سار الكبير» يعود الى سيدجعفر يوسف المحفوظ، المعروف ببشاشته وحماسه الاجتماعي ومحبته لأهل قريته. وعليه فقد أصبحت سار «مدينة جديدة وجاذبة»، واختيار إحدى مؤسساتها لإقامة هذا النشاط أو ذاك إنما هو شهادة لقدرات أهل القرية الذين مازالوا يحافظون على تماسكهم ونشطين بصورة نوعية.
في قديم الزمان، كانت سار تحتل موقعاً كبيراً في حضارة دلمون (3 آلاف سنة قبل الميلاد)، والموقع الأثري «مستوطنة سار» شاهد على المكانة الكبيرة... فالمستوطنة - بحسب المنقب البريطاني مايكل رايس- كانت عاصمة اقتصادية تستخدم لتسلّم المؤن والبضائع وإعادة توزيعها الى كل أرجاء البحرين. وهناك قنوات مائية (آثارها موجودة لحد الآن)، ويقال إن تاريخها يعود الى الفترة التي سبقت الاسلام بعدة قرون، وان النظام المتبع صمم لدفع الماء بصورة طبيعية (مضخة تعمل بصورة طبيعية).
وهناك حديث عن أن أهالي المستوطنة كانوا يتراسلون عبر ألواح تطفو فوق الماء، وأحد المنقبين قال إن لوحاً وجد في عمان وهو عبارة عن رسالة أرسلها تاجر في سار يطالب بالالتزام بشروط التبادل التجاري.
عوداً الى الحاضر، إن مأتم سار الكبير افتتح في العام 1994، وذلك بعد تأمين الدعم المالي له من المحسنين، وعندما نفدت الأموال تعهد أهالي القرية بأن يلتزم كل واحد منهم بإكمال مساحة معينة من البلاط، وعليه فإن كل عائلة اشتركت في تأسيس هذا المأتم الذي ربط بينهم، وأعادهم الى مجد قديم تتحدث عنه «مستوطنة سار» التي نأمل من المسئولين إكمال الشروط لتسجيلها في سجل التراث الإنساني لدى اليونسكو?
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1567 - الأربعاء 20 ديسمبر 2006م الموافق 29 ذي القعدة 1427هـ
شهادة وافتخر بها
شكرًا أستاذي