أذكر أن من أكثر ما كان يزعجني خلال دراستي بالخارج العبارات المتحيزة ضدنا (كعرب أو مسلمين) كلما لاحت لمحدثنا لفرصة. وأذكر كم كان يزعجني في البداية أنني كنت لا أعرف كيف أجيب، خصوصاً عندما يتحدثون عن تعرض الإسرائيليين المساكين للإرهاب على يد الفلسطينيين «العرب» «المسلمين»، في الوقت الذي لا يكاد اسم فلسطين المحتلة يعني شيئاً لديهم.
وأذكر أننا «كعرب» و»كمسلمين» عندما نتحاور مع بعضنا بعضاً في الأمر كنا نقر أننا في بعض الأحيان نكون «حساسين جداً» أو نعيش «عقدة الاضطهاد»، ونتأثر بعبارات وتعليقات قد لا يكون مبعثها عنصرياً كما كنا نتخيل في حينها.
من تلك الأمثلة التي مازلت غير متأكدة إن كان مبعثها عنصرياً ضدنا كعرب أم لا، انهم لا يدرسون شيئاً عن بيئاتنا في جامعاتهم بحجة أن بيئاتنا فقيرة مقارنة ببيئات الأمازون وسفاري إفريقيا وشرق آسيا واستراليا. بيئاتنا فقيرة جداً! ربما لأنها لا تحوي أفيالاً أو أسوداً، كما أوضح لي أحد رجال البيئة الكبار في بلدنا في رده على إصراري على ضرورة وجود إدارة متخصصة للسياحة البيئية في البحرين؛ أو زرافات (وإن كانت حالياً تتواجد لدينا للأسف في البحرين)، وربما لأن ألوان طيورنا وأسماكنا معظمها ترابي (أملح) ولا تحوي الألوان الحمراء والزرقاء والخضراء الزاهية التي تحويها طيور المناطق الأخرى!
ولكن ماذا عن كائنات وموائل مثل شعابنا المرجانية التي وفق الافتراضات العلمية هي غير موجودة، ولا يمكن أن توجد في أعماق خليجنا العربي الصافي الساخن والمالح؟ وماذا عن ثاني أكبر قطيع لعرائس البحر في العالم؟ والذي اختار هذا الخليج الأثير وأعشابه البحرية المميزة؟ وماذا عن دلافيننا وكائناتنا المحلية التي لا توجد في أماكن أخرى من العالم؟ وماذا عن صحارينا؟ هل هي حقاً جرداء خالية من الحياة؟ وماذا عن مزارعنا التي تمثل آخر تمثيل لبيئات المياه العذبة بعد انقراض العيون وكائناتها النادرة التي لا توجد في أي مكان آخر من العالم... وبالتالي فإن انقراضها يعني خسارة عالمية لهذا النوع قبل أن يدرس ويصنف في كثير من الأحيان.
في المرات القليلة التي جمعتنا مع عالم الحشرات البحريني الوحيد عبدالعزيز محمد قال إنه وجد في البحرين عدداً من الحشرات تعد كشفاً عالمياً، إذ لم يتم تسجيلها عالمياً، ولكن الوقت مر وسجلت قطر الشقيقة قبلنا بعضاً منها لتشابه البيئتين، وكان التسجيل بأسماء قطرية.
بين توبلي وحوار
ولنسأل: هل بيئاتنا فقيرة فعلاً؟ ولمعرفة الإجابة نقول: كانت نساء خليج توبلي يغرفن وجبة يومهن من الروبيان غرفاً من الخليج في (مشامرهن) لكثرته، وكانت أشجار القرم غابةً من الجمال والتنوع الحيوي «أرض رامسار 921»، وكان الصيادون يجمعون الأسماك من المزارع بين النخيل عندما يرتفع المد ويجتاح ماء الخليج يابسة توبلي!
جزر حوار «أرض رامسار 920» مازالت تزهو تنوعاً حيوياً وجمالاً. وناهيك عن طيورها المعششة وأسماكها وأحيائها البحرية والبرية، فإنه ووفق الدراسات القليلة التي أجريت، فإن بمياه حوار تكوينات حية من الحشائش والطحالب البحرية ما لم يكن متوقعاً وجوده بهذه الصورة في المواقع والظروف البيئية التي يوجد فيها وفقاً لكبار الباحثين في هذا المجال، والذين حظيت جزر حوار بفرصة أن يلقوا نظرة سريعة عليها.
لماذا إذاً هي موجودة على هذا النحو؟ ما الذي تلعبه من دور مهم مع الكائنات البحرية الأخرى في المنطقة وضمن الأنظمة الحيوية المحلية والإقليمية والعالمية؟
وتعود بذلك الموشحة التي تردد في البحرين وخارجها على ألسنة من لا تعنيه بيئاتنا في شيء: لأننا لا نعرف الكثير عن بيئاتنا، فهي فقيرة... غير جديرة بتوجيه الأبحاث وموازنات مشروعات الحماية العالمية لها، ولا تمثل أهمية عالمية... لنجيب نحن (القليلون جداً والصامدون بعون من الله): «كيف نعرف ذلك ونحن لم ندرسها؟ كيف نعرف ذلك ونحن لم ننظر إليها أصلاً ولم نولها أي نوعٍ من الاهتمام؟
لك الله يا بيئاتنا! سياسات مؤسساتنا الإدارية والتنفيذية لا تكترث لك، وسياسات صون الطبيعة العالمية لا تعترف بوجودك أصلاً! لك الله يا بحارنا وعيوننا وهيراتنا وشعابنا المرجانية وسبخاتنا وأراضينا الرطبة ونخيلنا وقرمنا وحشائشنا البحرية وصحارينا... وأنت ياعصافيرنا وأسماكنا ونباتاتنا الصحراوية ويا أشباح بحارنا المنقرضة... فلست على خريطة الاهتمام المحلي ولا العالمي?
إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"العدد 1566 - الثلثاء 19 ديسمبر 2006م الموافق 28 ذي القعدة 1427هـ