في العادة، إني أحاول الابتعاد عن التطرق لوالدي المغفور له الشيخ عبدالأمير الجمري، وذلك للابتعاد عن تداخل الشأن الشخصي بالشأن الوطني... وعدد من الأصدقاء يعارضني في ذلك ويطلب مني عدم الاكتراث بالفصل؛ لأن الجمري ليس والداً لعائلة، وإنما أباً لكل من أحبه وعرفه وتعامل معه.
بعد رحيل الوالد من الدنيا، هناك الكثير مما يمكن الكتابة عنه، ولكني مازلت عاجزاً عن فعل ذلك في الوقت الحاضر. فالشيخ الجمري كان يعتبر كثيراً من الأمور تشبه القضايا «المقدسة» بالنسبة إليه، ومن تلك الأمور «افتتاح مجلسه واستقبال الناس»، حتى لو كان ذلك يكلفه العذاب والمعاناة ، كما حصل فعلاً. هذا في الوقت الذي لا يصر الآخرون على مثل هذا الأمر ويمكن أن يتنازلوا عنه لظروف معينة. لقد قيل له مباشرة في العام 1988: «إذا لم تغلق مجلسك وتوقف أولئك الشباب من دخوله فسينالك الرد القاسي». رفض الانصياع وكان ما كان.
في النجف الأشرف، وعندما توفي الإمام محسن الحكيم، وخرجت الجماهير العراقية من كل مكان في مظاهرات حاشدة ضد نظام البعث الذي كانت مشانقه تتوزع في كل المدن وتتدلى منها الرقاب، خرج الشيخ الجمري متحدثاً في مسيرة كبرى ومندداً بنظام البعث. المخابرات العراقية بحثت عنه ولم تجده، وذلك لأن اسمه في جواز السفر كان آنذاك «عبدالله» وليس «عبدالأمير»، وكان يسافر بذلك الاسم لأنه يحتاج إلى السفر براً من البحرين إلى العراق، والاسم قد يجره إلى مشكلات هو في غنى عنها. وعندما اكتشفت المخابرات العراقية الأمر - بعد سنوات - كان قد ارتحل إلى البحرين في العام 1973 ودخل المجلس الوطني. ولذلك، وعندما سافر إلى العراق في منتصف السبعينات كان جوازه دبلوماسياً (بحكم عضويته في المجلس الوطني) وكان ذلك حمايته الوحيدة... وجازف بالذهاب آنذاك إلى العراق على رغم علمه ببشاعة النظام البعثي الذي كان يفعل ما يشاء بمن شاء. كان دائم الامتثال إلى تعاليم النبي (ص) وأهل بيته (ع)... وبالنسبة إليه إن الرسول (ص)؛ ولأنه صادق ويؤمن بدعوته فقد «باهل النصارى» بأهل بيته (وليس بالآخرين)... ولذلك فإن الجمري تراه يدخل أبناءه فيما كان يقوم به من نشاطات يؤمن بها بشكل مبدئي، وبعض تلك النشاطات كانت تجلب له الرد العنيف من السلطة؛ ولذلك أصاب أبناء عائلته بعض ما أصابه.
الشيخ الجمري كان عضو الكتلة الدينية وهو الذي أشرف على اللقاءات مع الكتلة الشعبية وكتلة الوسط في برلمان 73 وتحالف معهم ضد قانون أمن الدولة... وهو أيضاً الذي وضع يده بيد رموز الاتجاهات البحرينية في العام 1992 و1994 وتحرك من أجل الإصلاح على أساس القواسم المشتركة، وهو بذلك أعطى أنموذج عالم الدين الذي يؤمن بوجود الآخرين ويتحالف معهم.
عندما اشتد الوضع في البحرين، وسقط أحد الشهداء في الدراز في مطلع العام 1995، كانت المنطقة مطوقة بالكامل وجثمان الشهيد في المغتسل، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب منه... ركب السيارة واخترق الحواجز الأمنية ودخل المقبرة وجمع الناس وأدى مراسم الدفن على رغم كل المخاطر التي بالإمكان أن تنزل عليه آنذاك. أتوقف عند هذا الحد?
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1566 - الثلثاء 19 ديسمبر 2006م الموافق 28 ذي القعدة 1427هـ