في أواخر الثمانينات لم نبلغ الـ 15 عاماً، وكان أكثر ما يشدنا عندما نلتقي الأب الشيخ الجمري في أية مناسبة دينية هو مبالغته في الترحيب بنا، وسؤاله عن أحوالنا، ودعواته الحارة لنا بالتوفيق، وكان شغلنا الشاغل هو طريقة مصافحته لنا، فقد كان يشد على أيدينا بقوة كلما شددنا بقوة! مضت الأيام وكبرنا إلا أنني لم أستطع الإقلاع عن هذه العادة كلما التقيت الشيخ، فكنت أشد على يديه بقوة في مصافحتي له، وهو يرد التحية بقوة أكبر وهو مبتسم، فكانت تلك الطريقة شفرة يفهمها الشيخ ونحن نفهمها، تشير إلى القرب بيننا وبينه، وأن له في قلوبنا مكانة خاصة كما أن لنا في قلبه مكانة خاصة. في منتصف التسعينات بعد الإفراج عنه، تألمت كثيراً عندما انتهيت من الصلاة خلفه وقصدت الطابور الذي كان ينتظر لمصافحته في محرابه الذي اعتدت على مصافحته فيه، وكنت مشتاقاً للسلام عليه على طريقة الثمانينات، وكنت متحفزاً لأشد على يده بقوة لأقول له إنني كبرت ولن تستطيع التغلب عليّ! ولكنني عندما وصلت إليه رأيت يده مشدودة بخرقة طبية، ما يعني أنه لابد من المصافحة برفق، فحزنت كثيراً لصحته، وصرت أسترجع الذكريات وأتألم. يوم أمس أيضاً قصدت محرابه في الجامع قرب منزله، إلا أنني هذه المرة لم أستطع مصافحته حتى برفق، لأنه كان مسجى في نعشٍ مغطى بالسواد، فتقهقرت إلى الوراء لأنني لم أستطع الاقتراب?
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 1565 - الإثنين 18 ديسمبر 2006م الموافق 27 ذي القعدة 1427هـ