المترشّح الوحيد الذي اشتهر بكنيته «علي أحمد»، حتى أخذت الصحف تكنّيه! و«أبونبيل» هو أكثر من تلقى انتقادات في البحرين (جارحة في كثير من الأحيان) طوال أربع سنوات لمعارضته الواضحة للمقاطعة. وكان شعاره: «قاطعوا من أجل مزيدٍ من التهميش والتمييز... ومزيد من الإقصاء والتجنيس»، وظلّ يردده بصوتٍ عالٍ في المحافل والمنتديات، حتى جاء يومٌ رجحت فيه كفّة المشاركة.
جمهور «الوفاق» ذهب إلى التصويت بكثافة، وكانت النتيجة إيصال «الكتلة الموحدة» من الجولة الأولى، بينما وصل أكثر من نصف أعضاء الكتل الأخرى في الجولة الثانية. ومن البداية دأبت «الوفاق» على إرسال رسائل طمأنةٍ للأطراف الأخرى. فمنذ 26 نوفمبر/تشرين الثاني، كان الخطاب الذي يمسك بخيوطه الشيخ على سلمان يسير في اتجاه بعث الطمأنينة والتفاؤل، عبر رسائل إيجابية جداً، سواء في لقاءات تلفزيونية أو صحافية، توّجتها دعوة «الوفاق» للكتل الأخرى على مائدة عشاء، اذ أشاعت أجواء مريحة انعكست على الشعور العام للشارع البحريني.
ما حصل قبل ثلاثة أيام من مقاطعة الجلسة الافتتاحية للبرلمان، كان مفاجئاً للمراقبين والشارع معاً، ولا نبالغ إذا قلنا انها كانت صدمةً للكثيرين، خصوصاً انها جاءت من دون مقدمات، وبعد سلسلة تصريحات أوحت بعدم اهتمام «الوفاق» للمناصب، فاستغلها بعض الخبثاء لتصويرها على أنها تقاتل من أجل المناصب وليس لخدمة المواطنين.
كمراقبين، لا ندري كيف تم اتخاذ قرار مقاطعة الجلسة الافتتاحية، وكم كانت نسبة المؤيدين والمعارضين، فقرارٌ مثيرٌ للجدل من هذا النوع نتوقع أن يلقى معارضةً أو تحفظاً حتى في كتلة «الوفاق» نفسها، فضلاً عن كوادر «الوفاق» وجماهيرها العريضة. والناس من حقّها أن تسأل بعد أن زكّت كتلة الوفاق بالجملة: كيف اتُخذ هذا القرار؟ وكيف لم تتم تهيئة الساحة لتقبّله إذا افترضنا جدلاً انه صحيحٌ مئة في المئة؟ وهل ما حدث هو الخطوة التي كان ينتظرها جمهور الوفاق فضلاً عن الجمهور الآخر؟ ثم إلى أين نريد الذهاب؟
أخشى أن يكون ما تم مدّه من جسور ثقة مع الأطراف الأخرى خلال شهور، وخصوصاً في الأسابيع الأخيرة، تمّ هزّه بقوةٍ خلال الأيام الثلاثة الأخيرة. الوفاق لا تتحرّك في مساحةٍ سياسيةٍ حرّةٍ بالمطلق، وإنما تتحرّك في فضاءٍ مكبّلٍ بقيود وقوانين، مذ سجلت كجمعية، إلى أن قررت دخول البرلمان. وعليها التعاطي بواقعيةٍ وسياسةٍ مع هذه المساحة المتاحة وليس التصرف بروحية: «أنا الغريق فما خوفي من البلل»، فأن تمتلك أكبر كتلة في البرلمان يفرض عليك سياسةً غير سياسة المقاطعة كلما نشب خلاف.
ربما نلتمس العذر لـ «الوفاق» في عدم خبرتها البرلمانية، بسبب الإقصاء الطوعي أو القسري، أو بسبب سياسة التهميش والتمييز... إلخ، ولكن لن تتفهم جماهيرها أن تدشّن عهد المشاركة بمقاطعةٍ متعجلةٍ ستظل تدفع ثمن تداعياتها لشهورٍ أو لسنوات. وآخر ما تنتظره الجماهير التي زحفت للتصويت بدافع الشعور بالواجب الديني أو الوطني، أو الالتزام السياسي أو دفع الضرر عن المجتمع المهمّش، آخر ما تنتظره هذه الجماهير مقاطعة جلسة الثلثاء، لكي تتخلى «كتلة الوفاق» طوعاً عما تبقى من مناصب على طبقٍ من ذهب إلى الكتل المنافسة الأخرى، فالسياسة ليست زهداً ولا هروباً دائماً للأمام، ولا عرضاً للمظلومية، ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً.
أقوى حجةٍ قدّمتها «الوفاق» لتبرير خطوتها غير الموفقة، أنها احتجاجٌ على التهميش والإقصاء، ولكنها وقعت في الخطأ نفسه من حيث لا تدري، حين فوّتت على نفسها حضور جلسة علاقات عامة، كان من شأنها أن تؤذن بفتح صفحة جديدة من العلاقات، فخلخلت ما بنته من جسور في طرفة عين.
اليوم ستجتمع الوفاق، والخوف أن تندفع ثانيةً إلى قرار «مقاطعة» متعجل وغير واضح الهدف لجلسة الثلثاء: «سنحضر ولكن لن نصوّت»، و«لن نطلب أيّ منصبٍ قيادي أو نتحمل مسئولية أية لجنة»، وأمام هذا النوع من التفكير الانتحاري لمعاقبة الذات، تذكّروا مرةً أخرى قصة أبونبيل: «قاطعوا من أجل مزيدٍ من التهميش والإقصاء»?
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1564 - الأحد 17 ديسمبر 2006م الموافق 26 ذي القعدة 1427هـ