العدد 1564 - الأحد 17 ديسمبر 2006م الموافق 26 ذي القعدة 1427هـ

تحرّك البابا يخفّف من قلق المسلمين

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

مستجمعاً كلّ نفوذ الإقناع التي يملكها، ميّز البابا «بينيديكتوس» السادس عشر زيارته إلى تركيا بتصريحات مثنية للإسلام في محاولة له لتهدئة غضب المسلمين المنتشر من جرّاء اقتباسه كلامًا عن إمبراطور من القرن الرابع عشر، في شهر سبتمبر/ أيلول، الذي اعتبر أنّ النبي محمّد لم يحضر سوى «أمور سيئة وغير إنسانية» إلى العالم.

في إشارة رمزية مؤثرة، قام البابا «بينيديكتوس» بزيارة الجامع الأزرق المذهل في إسطنبول، مُصبحًا بذلك البابا الثاني فقط ليدخل مكان صلاة للمسلمين،مُستضافًا من قبل مفتي اسطنبول الأكبر، الإمام مصطفى كاغريسي. خلع البابا حذاءه عند المدخل - وهي عادة مشتركة لدى المسلمين - ولزم لحظة صمت احترامًا تحت السقف المرتفع والجدران المزخرفة.

في تباين واضح لمشاهد غضب المسلمين حديثاً، بما فيها حرق لصور البابا، تبادل القائدان الهدايا ضمن فكرة «حمامات السلام».

وعلى رغم استمرار الشكوك بين الأتراك بشأن صدقية البابا بينيديكتوس، يقول المحلّلون إنّ مسعى البابا لتصحيح الكلام يُجدي نفعًا.

«إنّ زيارة البابا لتركيا ورسائله الموجهة إلى... العالم المسلم هي ذات قيمة رمزية؛ لقد بلغ بالفعل قلوب الناس»، يقول نيلوفر نارلي، عالم في الاجتماع السياسي وخبير في الإسلاميات في جامعة باهسهير. «يمكن لرسالته أن تلعب دورًا مهمًا في تهدئة التوتّرات. أعتقد أنه يعلم ذلك الآن».

ولكنّ الكثير من الأتراك العاديين ليسوا مقتنعين. «لا أظنه صادقًا، لأنه بدّل رأيه»، تقول «نصليحان كورت»، التي تعمل في متجر للحقائب الجلدية.

فهي تقول إنها كانت «غاضبة كجميع الآخرين» من تعليقات البابا في سبتمبر، ولكنها تعترف أنه «ربما من خلال زيارته، إنه يسعى فعلاً للتغيير، لتحسين الأمور».

وكذلك أتى البابا حاملاً هدية أخرى غير متوقّعة بدّلت موقفه الشعبي الذي اتُخذ في الأيام التي سبقت باباويته كالكاردينال «راتزينغر»: دعم تركيا للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي في وقت يتزايد الإرتياب في أوروبا حيال عضوية الدولة المسلمة.

إنّ دعم الفاتيكان للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بغاية الأهمية الآن، بعد اقتراح الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء بتجميد ثماني نواحٍ من النقاش المتعلّق بالنظام، بسبب رفض تركيا الاعتراف بقبرص وعدم فتح المرافئ التركية لدخول السفن القبرصية.

تشكّل تركيا الدّولة الوحيدة في العالم لتعترف بدولة قبرص التركية المصغّرة، إذ تمركزت الأفواج التركية منذ العام 1974 لدعم التركيين الأصليين على الجزيرة المنقسمة.

وقد كتبت صحيفة «ميلييت» اليومية بأنّ دعم البابا لإنضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي «مهم». «إنه تحذير كبير للسياسيين المحافظين الذين يخالون الإتحاد الأوروبي هو تجمّع مسيحي».

خلال أيامه التي أمضاها هنا، انتقى البابا لغة تخاطب شعور الأتراك العميق بالقومية - إنّ هذه «الأرض النبيلة» و«تاريخها المُشرّف»، صرّح قائلاً، ولّدت «دولة عصرية عظيمة» - ويتمثل هدفها برؤيتها تتساوى مع الأمم الأوروبية.

بالإضافة إلى الإسراف في الثناء البابوي على الإسلام، والذي تولّت تركيا من خلاله «الازدهار الملحوظ للحضارة الإسلامية»، فقد كان لسعي البابا لإظهار «تقديره العظيم للمسلمين» بعض التأثير على الشعب المُرتاب.

على غرار الكاردينال «راتزينغر»، فقد كان معروفًا بمعارضته لفرص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، واصفًا تركيا بالمختلفة ثقافيًا ودينيًا، وليس لها مكانًا في أوروبا»، يقول «سينغيز ساندار»، محرّر في صحيفة بوغون، والأناضولي الجديد باللغة الإنجليزية.

«ولكنّه الآن على غرار البابا «بينيديكتوس» السادس عشر ... يريد رؤية، كما الكنيسة الكاثوليكية، تركيا في أوروبا»، يقول ساندار. «إنه تبدّل بغاية التطرّف لما نعرفه عن رأي الكاردينال «راتزينغر» بتركيا.

يشكّل هذا التبدّل «تطوّرًا» في التفكير، بعد ملاحظات البابا السابقة «التي إذا لم تكن عدائية، فقد برهنت عن لا مبالاة وعدم لباقة»، يقول ساندار. «ليست هذه هي الطريقة التي يرغب البابا أن ينظر الملايين إليه من خلالها، لا بل من قبل المليارات من الناس حول العالم، حتى لو عبّروا عن معتقد مختلف».

بالإضافة إلى بلوغ المسلمين، سعى البابا إلى تطوير العلاقات ضمن المجتمع المسيحي العالمي أيضًا. لقد أقام صلاة مع القائد الروحي للمسيحيين الأورتودوكس، البطريرك «بارتولوميو»، ساعيًا إلى إصلاح الإنشقاق القديم بين الكنيستين الكاتوليكية والأورتودوكسية، وهو الهدف الأساسي من زيارته.

يسعى القائدان، اللذان رفعا أيديهما مشبوكتين فوق رؤوسهما كالرياضيين الفائزين في مباراة، إلى بذل جهود توحيدية إضافية كانت قد بدأت منذ العام 1965 بين الـ250 مليون أورتودوكسي مؤمن حول العالم و1.1 مليار من الروم الكاتوليك.

«تشكّل الإنقسمات بين المسيحيين فضيحة للعالم وعائقًا أمام نشر الإنجيل»، صرّح البابا قائلاً.

ولكن في محالّ وصفوف إسطبنول، فقد دفعت مساعي البابا لربط الإنقسام بين المسيحية والإسلام المواطنين إلى السجال.

«نعتقد أنّ زيارته أمرٌ جيدٌ، من أجل التقارب بين العالمين المسيحي والإسلامي»، يقول «دوغان ميت» الذي كان يزور متجرًا للفساتين النسائية. «لقد ارتكب بعض الأخطاء و لم يعتذر عنها، ولكن من خلال زيارته إلى هنا أجده صادقًا... إنه نادم».

«لماذا برأيك لم يعتذر؟» يسأل «سميح أكوز»، متوجّهًا إلى ميت. «هل تعتقد أنّ البشر لا يرتكبون الأخطاء أبدًا؟ حتى البابا؟»

«إنّ كرة القدم أكثر أهمية من البابا»، يقول السيّد «أكوز»، وهو إسلامي متملّق واضعًا أمامه الكثير من الصحف التركية المفتوحة على صفحات الرياضة. «لا أظنّ أنّ وجهة نظر البابا السلبية ستتبدّل تجاه العالم الإسلامي. برز لمدّة قرون أسلوب قديم جدًا في التفكير، بأنّ العالم الإسلامي هو مصدر للإرهاب».

«أعتقد أنّ رسائله تحلّ المشكلة»، يقول «ميت» مدافعًا عن البابا.

«يكمن الأمر المهم في إلتزامه بتصريحاته التي أدلى بها هنا، وعدم الرجوع إلى تصريحاته السابقة عندما يغادر تركيا».

«إنّ العالم بأسره يشاهد»، يضيف ميت. «لا أظنّه سيتراجع بكلامه».

* محرّر في صحيفة «كريستشيان ساينس مونيتور»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند?

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1564 - الأحد 17 ديسمبر 2006م الموافق 26 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً