العدد 1564 - الأحد 17 ديسمبر 2006م الموافق 26 ذي القعدة 1427هـ

#فلسفة#

منتديات بلوغرز

من مدونة الخزاعي التي يسميها «زرنوق بحراني» تم اقتباس هذا النص: 

17 ديسمبر 2006

بعد أن عدت من رحلتي إلى شرق تركيا، خرجت مساءً أبحث عن شيء أحيي به ليلي فلم أجد سوى مطعم فخم يرمي بظهره إلى أحد الفنادق الكبرى فيما نصب قبالته مسرح صغير في الهواء الطلق، تعزف عليه ألحان كلاسيكية رائعة. خيوط الموسيقى الناعمة تطوق المكان، تلف الأسماع بوشاح حريري ناعم... تنسل إلى دواخلنا بهدوء لتستأصل الهم بمهارة جراح ثم تداوي الجروح حتى تندمل.

المطعم مزدحم جداً والطاولات كلها مشغولة غير أن المكان أعجبني وأردت الجلوس هناك مهما كلف الأمر حتى ولو تكلف بعض إحراج. أشرت للنادل فأقبل مسرعاً وانحنى أمامي حتى كاد أن يركع... وبعد أن انتصب من ركوعه كدت أن أصرخ «ربنا ولك الحمد» كما يفعل المبلغون في صلاة الجماعة إلا أني تداركت الأمر بسرعة عندما تذكرت بأني لست في أحد الجوامع!

فهمت ما كان يرمي إليه من وراء ركوعه فوضعت في يده ورقة نقدية وسألته إن كان بإمكانه أن يتدبر أمر إيجاد مكان أجلس فيه... عاد إليّ بعد دقائق ليخبرني بأني إن كنت مصراً على الجلوس فلابد من أن أشارك أحدهم في طاولته... هززت رأسي غير مستغرب من طرحه وأجبته أن لا بأس بذلك أبداً، بل ربما هو أفضل فعلى الأقل سأجد من أحادثه.

- على الطرف البعيد من المكان... هناك عند الشلال الاصطناعي الصغير حيث يجلس عجوز ثمانيني... بإمكانك أن تشاركه طاولته فهو يجلس هناك وحيداً كل ليلة.

شكرت النادل وانطلقت ميمماً صوب العجوز... وصلت عنده وحييته تحية مسائية... حرك رأسه بغرور ارستقراطي دون أن يكلف نفسه عناء النظر إليّ... سألته إن كان لا يمانع أن أشاركه الطاولة فعاد وحرك رأسه مرة أخرى بالطريقة ذاتها وهو ينظر صوب عازفة الناي دون أن ينبس ببنت شفة.

حركت الكرسي إلى الوراء ثم جلست... قرأت القائمة فأصبت بصدمة من الأسعار... ابتسمت حتى لا يلاحظ العجوز فزعي وطلبت عصير برتقال طازج وقطعة حلوى على رغم من أني كنت أتضور جوعاً... أخرجت علبة السجائر من جيبي وأشعلت واحدة ورحت أمجها بروحانية وهيام... أسبح في الجو مع خيوط الدخان وألحان الموسيقى... أطير... أتسامى... أحلم...

مرت دقائق طويلة مججت خلالها أكثر من خمس سيجارات من دون أن نتحدث في شيء... أردت أن أفتح موضوعاً معه... فتأملت ملامحه بدقة... شعر طويل وأشعث... لحية مسبلة... جبين عريضة... عينان جاحظتان... حتماً هي ملامح فيلسوف وخصوصاً مع رائحة الزيتون الأسود المنبعثة منه، فالأذكياء والعباقرة والمفكرون عادة ما يكونون منتنين ورائحة الزيتون هي أكثر الروائح شياعاً بينهم.

وجدته يحدق بالعازفين كلاً على حدة... لحظتها كان ينظر إلى عازف الكمان وهو يحرك عصاه على الكمان بخفة وروعة... هي لحظة مناسبة لفتح موضوع ولكن لابد من اختيار كلمات بها من العمق ما يتناسب وفكر الرجل وتجربته... لحظة الصمت مازالت مستمرة... أتهيئ لقطعها... أصيغ الجمل في رأسي قبل أن أنطقها... للفلاسفة مهابة إلا أني لن أكترث هذه المرة وسأتحدث حتى وإن بدا ما أقوله سخيفاً.

نظرت إلى عينيه الجاحظتين مباشرة ثم قلت متسائلاً بتحذلق:

- ترى هل يدرك هؤلاء المستمتعون بجمال الألحان عناء عصا الكمان وهي تتلف نفسها احتكاكاً بأوتاره؟!

نظر إليّ بغرابة فظننت بأنه أعجب بما قلت... ربما يظنني فيلسوفاً مثله... ربما أجد اسمي منشوراً في إحدى مقالاته... ربما وربما وربما... رحت أحلم لحظتها بدخول عالم الفلاسفة من أوسع أبوابه وافترضت من دون يقين أن العجوز الجالس أمامي هو أحد أكبر الفلاسفة في هذه البلاد.

عيناه كانتا خاليتين من أي تعبير... ينظر إليّ وكأنه لا يراني... أنتظر منه إجابة إلا أنه مازال صامتا... الصورة ذاتها... صمت ونظرة خالية من أي تعبير... أكاد أفقد صبري والعجوز لا يتحدث... حرك رأسه جانباً... لابد أنه على وشك أن يجيبني بشيء فالفلاسفة عادة لا يردون من دون طول تأمل وتفكير... غير أنه لم يجبن بشيء بل قضّب جبينه وعقد حاجبيه .

دفعت الحساب وسألت النادل عن العجوز فأخبرني بأنه أصم!


لعبة المدونين

هذا الموضوع مقتبس من مدونة الدكتورة...

أحب هذا النوع من الموضوعات، الذي يسمح للمدونة بالخروج من مسارها المعتاد والإجابة على بعض الأسئلة المباشرة والتي تساعد في تعريف الناس والزوار أكثر بشأن صاحب المدونة...

مرر لي الموضوع شاي أخضر، ولا أعلم هل علي شكره، أو ضربه على هذا الفعل...

لكني سأجيب على الأسئلة بصدر رحب طالما اني وجدت الوقت لذلك...

هل أنت راض عن مدونتك شكلاً وموضوعاً؟

- بلاشك، فالموضوعات ليست إلا نتاج فكري، والشكل ليس سوى عمل يداي...

فإن لم أكن راضية على ما أنتجه سأجهد للعمل على إرضائي...

هل تعلم أسرتك الصغيرة بأمر مدونتك؟

- نعم، جميعهم يعلمون ماعدا أخي ذي الخمس سنوات، فهو لا يعلم ما هو الإنترنت حتى الآن...

هل تجد حرجاً في أن تخبر صديقاً عن مدونتك؟ هل تعتبرها أمراً خاصاً بك؟

- لا أجد الحرج إن كانت الصديقة من مستخدمي الإنترنت، ولكن يصادف أن غالبية الصديقات لا يستخدمونه، ومعهم لا أجد فائدة من الإخبار بأمر المدونة، بما أنهم لا يفقهون بها شيئاً ولن يزورونها حتى...

ولا أعتبرها أمراً خاصاً فاتجاه مدونتي ليس بالشخصي ولا اليوميات ولا حتى المذكرات...

وما أطرحه بها وإن كان من يومياتي لم يطرح إلا للمشاركة، فلا يوجد سر يبحث عن الكشف...

هل تسببت المدونات بتغيير إيجابي لأفكارك؟ أعطني مثالاً في حال الإجابة؟

- أفكاري هي أفكاري لم تتغير، إلا أن نظرتي للأمور قد اتسّعت أكثر... فوجدت بالمدونات اختلافاً فكرياً لم أعتقد أنه موجود بيننا وبهذا القرب...

لكن مازلت أنا كما أنا... أقبل جميع وجهات النظر وإن لم توافقني فاطلاعي عليها لا يعني بالضرورة موافقتي إياها أو رضائي بها...

هل تكتفي بفتح صفحات من يعقبون بردود في مدونتك أم تسعى إلى اكتشاف المزيد؟

- لا، لا أكتفي بزيارة صفحات المدونين والمدونات أصحاب الردود علي، لكن يبقى الأمر بحسب توافر الوقت لذلك...

ماذا يعني لك عداد الزوار... هل تهتم بوضعه في مدونتك؟

- في الحقيقة لا يعني لي الشيء الكثير، فلا تعني كثرة الزوار دائماً نجاح المدوّنة... بل المطروح فيها هو ما يدل على ذلك...

لكن يصادف أن أجد طلبات من الزوار أنفسهم لوضع عداد زوار، ولا أعلم السبب، اسألوهم لماذا!...

هل حاولت تخيل شكل أصدقائك المدونين؟

- لست ممن يحب الغوص في الخيال كثيراً، وأعد نفسي سيئة في تذكّر ورسم الملامح، فما بالك بتخيلها ووضعها من خيالي...

هل ترى فائدة حقيقية للتدوين؟

- أرى بالتدوين وسيلة ممتازة للتعبير عن خلجات النفس وإهتماماتها، مثله مثلما يعبّر الكاتب في كتابه، والشاعر بديوانه، والرسام بلوحته...

فالمدوّن يعبّر في مدونته، والأجمل من ذلك... مشاركته لأفكاره مع الزوار، والذين سيعطونه بقدر ما أخذوا منه...

لذلك فالإجابة نعم، وجداً... وأرى بالتدوين قوّة كبيرة تكمن فيها، ومازالت لم تكتشف أيضاً...

هل تشعر أن مجتمع المدونين مجتمع منفصل عن العالم المحيط بك أم متفاعل مع حوادثه؟

- لمجرد كونك «مدوّن» فأنت عضو بهذا المجتمع التدويني، وبكتابتك في المدونة ستشارك فيه... وبمتابعتك لمستجداته ستتفاعل معه...

هل يزعجك وجود نقد بمدونتك؟ أم تشعر أنه ظاهرة صحية؟

- لا يزعجني أي نقد طالما أن صاحبه راعى في طرحه أساليب الأدب، وحتى إذا لم أوافقه بطرحه، لن أعتبره نقداً في شخصي أو تدويني... وسيبقى رأي صاحبه نفسه...

وعلى عكس ذلك، فأنا أتمنى لو ارتقت المدونات وزوارها ليتم النقد الصحيح لأصحاب المدونات كي يطوّروا من أنفسهم، فقط بمراعاة أن يكون نقداً بناء وهادفاً غير جارح، ويأتي بأسلوب محبب إلى النفس أيضاً...

هل تخاف من بعض المدونات السياسية وتتحاشاها؟ هل صدمك اعتقال بعض المدونين؟

- لست من متابعي السياسة ولا من المهتمين بها، فلا أبحث عن صداع رأسي بقراءة المدونات السياسية...

وتحاشيها ليس بدافع الخوف، إلا أنه يعود لبغض السياسة نفسها...

ولم أنصدم من اعتقال بعض المدونين، مع عدم اطلاعي على قضايا الاعتقال أو أسبابها، لكن بالتأكيد لا يوجد مكان يمكن أن يتعدّى الفرد به على الخطوط الحمراء ويتوقع ألا يواجه عقاباً على ذلك...

وأكرر، لم أطلّع على أي من قضايا الاعتقال هذه...

هل فكرت في مصير مدونتك حال وفاتك؟

- أمر مضحك، فهاجس الموت دائماً ما يكون في تفكيري... ليس خوفاً منه، فأنا راضية بقضاء الله وقدره، بل وأفضّل دار الآخرة على جحيم الدنيا...

لكن دائماً ما تراودني فكرة من الذي سيكتب خبر وفاتي ويعلنه؟ وهل سيفكر أحد من عائلتي أن يوصل الخبر لصديقاتي على الإنترنت مثلاً؟ أو للمدونة؟...

أما عن مصير المدونة نفسها، فإما ان الاستضافة ستنتهي وتذهب في مهب الريح... أو أن أحداً من المخلصين سيقوم بنقل المقالات وحفظها للزمن...

وفي حال وفاتي أتمنى ألا تنسوني بالدعاء...

أما عن تمرير اللعبة، فأعتقد أنها وصلت للغالبية بهذا الوقت...

لكن سأمررها إلى كل من: غادة خالد، سلوى، الرحيلي، المحارب، حرباز، سعلوة، نواف، تفاصيل، زياد، سعودي جيك...

وصلت لفقرة التمرير وظننت أني لن أضع أحداً، وها أنا أضع فوق العشرة... غريب?

العدد 1564 - الأحد 17 ديسمبر 2006م الموافق 26 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً