العدد 1563 - السبت 16 ديسمبر 2006م الموافق 25 ذي القعدة 1427هـ

تجارة السلاح: 2/2 العرب الأكثر إنفاقاً على التسلح

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تشير الكثير من التقارير إلى الدول العربية أكثر دول العالم إنفاقًا على السلاح. ويزداد الأمر سوءا عند مقارنة موازنات التسلح في هذه الدول مع استثمارات الحكومات العربية في الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، والتي تعتبر ضئيلة نسبيا. وفي هذا المجال يقول الأمين العام للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (اسكو) التابعة للأمم المتحدة، حازم الببلاوي: إن الدول العربية أنفقت 8.8 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على جيوشها في العام 1998، بينما تزيد نسبة الأميين بين مواطنيها البالغين عن 25 في المئة في المتوسط.

ويسترسل الببلاوي قائلا «إنه على رغم إن الإنفاق على التسليح شهد تراجعًا طفيفًا في العامين الأخيرين فما زال يفوق الإنفاق على أي قطاع آخر».

ويرى عدد من المراقبين أن زيادة الإنفاق على التسليح في بعض الدول العربية لا يرتبط في بعض الأحيان بالاحتياج الفعلي للسلاح لمواجهة عدو محتمل بقدر ما يرتبط بعقد اتفاقات عسكرية للمساهمة في استمرار طاقة عمل مصانع غربية في إنتاج السلاح بالكفاءة السابقة نفسها، ويبدو أن ذلك يعد اتفاقًا ضمنيًا أو مكتوبًا بين هذه الأطراف لضمان الدفاع والحماية، وهو الأمر الذي يبدو متناقضًا، لأن عقد الحماية لا يتسق مع توريد أسلحة لا تحتاج إليها هذه الدول.

من جانب آخر، وزعت وكالة «رويترز» تقريرا في نهايةالعام 1999 تقريرا يلفت النظر إلى أنه مع انتهاء الحرب الباردة شهد الإنفاق على الأسلحة في العالم تراجعا إلى 2.4 في المئة في المتوسط، باستثناء الدول العربية فقد ظلت النسبة مرتفعة عند 7.8 في المئة، مشيرة إلى أنه في العام 1997 أنفقت البلدان العربية 35.7 مليار دولار على الأسلحة، وارتفع الرقم إلى 38.7 مليار دولار بعد عام، وتصدرت دول مجلس التعاون الخليجي الست المنطقة؛ إذ بلغ إنفاقها الدفاعي 11.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وأضافت «رويترز» أن الكويت والأردن جاءتا على رأس الدول في الإنفاق على الرعاية الصحية؛ إذ بلغ 3.5 في المئة و3.7 في المئة «على الترتيب» من الناتج الإجمالي لكل منها.

وأظهرت إحصاءات الأمم المتحدة أن دول «اسكوا» البالغ عددها 13 دولة - وهي تضم لبنان والبحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات ومصر والعراق والأردن وسورية واليمن والأراضي الفلسطينية، ومقرها بيروت- أنفقت في العام 1995 على شراء الأسلحة 12.7 في المئة في المتوسط من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يصل إلى ثلاثة أمثال المتوسط العالمي للإنفاق على السلاح، وهو 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

يؤكد التبذير العربي غير المبرر على صفقات السلاح، مراسل موقع إسلام أون لاين، محمد شريف بشير في مقالة مفصلة ، تقول «إن هناك مؤثرات خارجية ساعدت على ذلك كنشوب النزاعات المحلية والإقليمية سواء في دول المعسكر الشرقي نفسها أو بقية أقاليم العالم كإقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ ارتفعت واردات السلاح فيه من 11.03 في المئة في 1992م إلى 14.5 في المئة في 1997م، بينما انخفضت تلك النسبة في بقية العالم من 1.1 في المئة إلى 1 في المئة من جملة الواردات في الفترة نفسها.»

وترى الدراسة أن «إقليم الشرق الأوسط وشمال افريقيا من أكبر أسواق استهلاك السلاح في العالم، فالدول التي تصنف في الحلف الأميركي (السعودية، الكويت، عمان، الإمارات، قطر، البحرين، مصر، «إسرائيل») أنفقت في شراء الأسلحة والمعدات العسكرية ومتطلباتها ما يصل إلى 41 مليار دولار في 1986م وانخفضت هذه القيمة إلى 34 مليار دولار في 1994».

أما دول الخليج العربي فقد فاقت معدلاتها ما وصلت إليه «إسرائيل». ولا شك أن ارتفاع النفقات العسكرية في الدول العربية قد أثر سلبًا على النمو الاقتصادي، اذ انخفض نصيب الفرد من الاستهلاك والاستثمار، كما انخفض المخزون الاستراتيجي من رأس المال وارتفعت أرقام المديونية الخارجية وازداد معدل التبعية الاقتصادية والاعتماد على الخارج في توفير الاحتياجات العسكرية وما يتصل بها من نفقات التشغيل والصيانة والتدريب.

ويلاحظ على القطاع العسكري في الدول العربية أنه لا يولِّد وظائف جديدة ولا يتيح فرص عمالة أكبر، ويعتبر من أقل القطاعات كفاءة من ناحية النفقات العامة؛ لأنه قطاع يستنزف الموارد الموجهة أصلاً للتنمية والاستثمار الاجتماعي والرفاه الاقتصادي وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن تخفيض النفقات العسكرية في العالم بمعدل 20 في المئة سيوفر منافع كبيرة للاستثمار والاستهلاك خاصة في القطاع الخاص في الدول النامية. إضافة إلى أن هذا التخفيض سيزيد من الناتج المحلي الإجمالي في العالم بمعدل أعلى من المخزون العالمي من رأس المال، وسيكون أداة فعالة لحفز الدول الصناعية لمزيد من المساعدات الدولية والمساهمات العالمية في برامج الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في الصحة والتعليم والبيئة.

وعودة إلى الدراسة الموسعة التي نشرها محمد فايز فرحات على موقع تقرير واشنطن فسنجد حقائق مماثلة.

إذ يراجع فرحات تقريرا مهما أصدره اخيرا مركز خدمة بحوث الكونغرس Congressional research Service عن بيع الأسلحة التقليدية إلى الدول النامية خلال الفترة (1998 - 2005). وقد أظهر التقرير أن الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط هي أكبر مستورد للسلاح في العالم.

وحسبما ينقله فرحات فإن الشرق الأوسط والقارة الأسيوية هما السوقان الأهم لمصدري السلاح في العالم. نعرض هنا لنتائج الدراسة. ويدخل فرحات في بعض التفاصيل الدقيقة بشأن طل دولة على حدة فيرى:

انه «فيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي لتعاقدات نقل الأسلحة، شكلت آسيا والشرق الأوسط السوقين الأساسيين لتجارة الأسلحة التقليدية في الدول النامية (أنطر الشكل المرفق)، الأمر الذي يشير إلى وجود علاقة قوية بين تركز الصراعات والتوترات الإقليمية والمحلية من ناحية، ودرجة استقطاب تلك الأقاليم لتعاقدات نقل الأسلحة التقليدية. فقد استوعب إقليم الشرق الأوسط نحو 45.8 في المئة من إجمالي قيمة تعاقدات نقل الأسلحة إلى الدول النامية خلال الفترة (1998 - 2001) مقابل نحو 39 في المئة لآسيا، 11 في المئة لأفريقيا، 4.4 في المئة لأميركا اللاتينية. بينما استوعب الإقليم نحو 39 في المئة من قيمة تلك التعاقدات خلال الفترة (2002 - 2005) مقابل 48.4 في المئة لأسيا، 8.2 في المئة لأميركا اللاتينية، 4.4 في المئة لافريقيا».

فيما يتعلق بتعاقدات دول إقليم الشرق الأوسط مع العالم الخارجي لنقل الأسلحة التقليدية، تشير بيانات التقرير إلى الاستنتاجات التالية:

بلغت قيمة التعاقدات الإماراتية لشراء أسلحة تقليدية من الولايات المتحدة خلال الفترة (1998 - 2001) ما يقارب من 7 مليارات دولار، مقابل 6.6 مليارات دولار لإسرائيل، 6.4 لمصر، 4.4 للملكة العربية السعودية، 0.7 للكويت.

وعلى رغم أن هذه الدول ظلت هي الأطراف الرئيسية في تعاقدات الإقليم مع الولايات المتحدة خلال الفترة (2002 - 2005)، فإن قيمة تلك التعاقدات شهدت انخفاضا ملحوظا، فقد تراجعت قيمتها إلى 1.3 مليار دولار في حالة الإمارات، 2.5 مليار دولار في حالة «إسرائيل»، 5.2 في حالة مصر، 4.2 في حالة العربية السعودية، واقتصر الارتفاع على حالتي الكويت لتصل إلى 2 مليار دولار، وحالة عمان التي ارتفعت من صفر خلال الفترة (1998 - 2002) إلى مليار واحد خلال الفترة (2002 - 2005).

ومن بين الدول النامية العشر الأكبر من حيث قيمة التعاقدات الخارجية لشراء الأسلحة التقليدية خلال الفترة (1998 - 2005) احتلت الإمارات العربية المتحدة الترتيب الثاني (17.6 مليار دولار) بعد الهند (20.7 مليار دولار)، وجاءت المملكة العربية السعودية في الترتيب الرابع (14.6مليار دولار)، وجاءت مصر في الترتيب الخامس (13.6 مليار دولار)، وجاءت إسرائيل في الترتيب السادس (9.5 مليارات دولار).

ومن بين الدول النامية العشر الأكبر من حيث قيمة التعاقدات المنفذة بالفعل خلال الفترة (1998-2005) احتلت أربع دول من الإقليم ترتيبا داخل تلك القائمة، اذ جاءت العربية السعودية في الترتيب الأول، وجاءت الإمارات العربية في الترتيب الرابع، وجاءت مصر في الترتيب الخامس، وجاءت إسرائيل في الترتيب السابع.

وحول ارتفاع فاتورة التسلح العربي ينشر موقع محطة الجزيرة الفضائية القطرية العربي مراجعة لكتاب من تأليف غيدون باورز، وهو أحد النشطاء البريطانيين فقي حقل المنظمات غير الحكومية. ويقتطع الموقع بعض فقرات وردت في الكتاب مثل: «وحتى تحافظ على سوق رائجة للسلاح عمدت شركات ومصانع وسماسرة السلاح إلى تسويق ما أصبح يعرف «بسيناريوهات التهديد الذي قد يواجه الأمن القومي» في البلدان المختلفة. وهي سيناريوهات مختلقة هدفها بث الذعر وسط المناطق الإقليمية التي تعودت على الحروب والاضطرابات، وبالتالي الضغط غير المباشر على الحكومات للانخراط في صفقات تسلح كبرى من أجل «الدفاع عن الأمن القومي» ضد أخطار وتهديدات محتملة (لا أحد يعرف مصدرها بالتحديد، إلا أنها جميعا من صياغة «خبراء إستراتيجيين» يعملون لصالح شركات ومصانع السلاح الضخمة».

يرصد المؤلف (والأرقام التي يقتبسها الكتاب واردة في التقرير الإستراتيجي لميزان الأسلحة في العالم الذي يصدره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلم)، قائمة بأكبر 20 مستورد للسلاح في العالم خلال العشر سنوات الماضية، وهي تتضمن: تايوان، السعودية، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، وكوريا الجنوبية. ويرى أيضا أن المؤسف هو أن الحجم الأكبر من صادرات أدوات الموت تتوجه إلى المناطق الأكثر توترا في العالم مثل: الشرق الأوسط: وجنوب شرق آسيا، والهند وباكستان.

أما عن حجم استيراد كل بلد من البلدان المستوردة الكبرى خلال الفترة من سنة 1999 إلى 2000 فهو كالآتي: تايوان 12.3 مليار دولار، السعودية 8.4 مليارات، تركيا 5.7 مليارات، كوريا الجنوبية 5.3 مليارات، الصين 5.2 مليارات، الهند 4.2 مليارات، اليونان 3.7 مليارات، ثم مصر 3.6 مليارات. أما إسرائيل فتأتي في المرتبة الحادية عشرة بحجم استيراد 2.9 مليار دولار.

كل ما يمكننا أن نذيل هذه المقالة به هو أن نستعير ما كان يحلو للزعيم البريطاني الراحل ونستون تشرشل ترديده نقلا عن مقولة مشهورة للفيلسوف الانكليزي جون لوك ان «الشرطي الذي يتجاوز صلاحياته يتحول إلى قاطع طريق».

وإن كان قاطع الطريق الأجنبي قد أصبح معروفا وليست هناك حاجة للبحث عنه، لكن السيء في الأمر هو نجاح قاطع الطريق المحلي في التخفي واستعارة الكثير من الأقنعة المموهة?

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1563 - السبت 16 ديسمبر 2006م الموافق 25 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً