العدد 1563 - السبت 16 ديسمبر 2006م الموافق 25 ذي القعدة 1427هـ

قريباً من الوطن... بعيداً عن الوطنية والمواطنية!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

من بعد حديثنا عن أزمة تمكين المرأة سياسياً في البحرين والتعقيب على الحديث الدائر محلياً عن هذه النقطة الساخنة، والذي يستند في كثير من أطروحاته الإعلامية على كون الوعي المجتمعي هو العائق الرئيسي والمشكل الأساسي الذي يعترض الخطوات المدروسة لتمكين المرأة سياسياً في البحرين، في حين أنه يغفل، إما رهبة وخيفة عمداً أو حتى سهواً، أي إمكان للتطرق إلى موضوع آثار اللعبة السياسية المرحلية ذات الامتدادات التاريخية الدائرة بدعم من أطراف متنفذة ومهيمنة، تسبغ في عطائها المادي والمعنوي الملموس على تيارات رجعية طائفية موالية لأجندتها، عسى أن تكون هذه التيارات الأجدر في مواجهة تيار طائفي (من ناحية الأطر السياسية التنظيمية) آخر معارض كان متوقعاً أن يدخل باكتساح البرلمان من أوسع أبوابه، لتقع المرأة والنخبة الوطنية التقدمية ضمن قائمة الضحايا.

ومثلما ساهم هذا التدخل السياسي المكشوف، والدعم الفاقع من تحت الطاولة الزجاجية، والضرب الجريء من تحت الحزام الوطني الديمقراطي، وواقعية الازدواجية الحادة في التلاعب بدور «الخصم» و»الحكم» في آن واحد، واستغلال النفوذ في تجيير سائر الوسائل التشريعية والمؤسساتية الممكنة لتمكين الرجعية الطائفية على حساب الكفاءات النسائية الوطنية الديمقراطية في نصرة الحلفاء والأصحاب في مواجهة المهرطقة والأحزاب!

فقد أثر أيضاً وبشكل كبير في عرقلة وصول أي من رموز وأقطاب التيار الوطني الديمقراطي، وأية شخصية بارزة تتبنى خطاباً تقدمياً فيما عدا المترشح الوطني عبدالعزيز أبل الذي حظي بدعم ومساندة كبيرة من جمعية «الوفاق» في حملته الانتخابية.

ومن أجل التطرق بصورة منصفة وموضوعية إلى موضوع فشل إمكان وصول أي من كفاءات التيار الوطني الديمقراطي إلى البرلمان، لا يمكن إغفال عوامل حاسمة تمثلت في استماتة بعض وسائل الإعلام المدعومة بسخاء من أطراف متنفذة في تصوير نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة على أنها بمثابة «نهوض خارق» لتيارات «الإسلام السياسي»، وذلك في مقابل «سقوط كبير» للتيار الوطني الديمقراطي ذي الصبغة العلمانية، والذي غالباً ما تسعى إلى تحجيمه بنعوت وألفاظ أيديولوجية منتقاة، بالإضافة إلى إطالة وافر من التحليلات السياسية (المختبرية) في تقدير أسباب «نهوض» التيار الإسلامي - السياسي و»سقوط» التيار الوطني الديمقراطي على أنها عائدة على الذائقة والثقة الشعبية وعوامل مجتمعية أخرى ترتبط بالوعي السياسي، إلى جانب التركيز على نبذ وعزل خطاب التيار الوطني الديمقراطي المعارض إعلامياً، رغم كونه الأكثر رقياً وتكاملاً وموضوعية، وإظهاره النفير الشعبي من لغته ورائحته ببضع بيانات اصطناعية توزع هنا وهناك تخالف غاية وتوقيت طرحها الاستهلاكي، ما تعبر عنه في خطابها الملموس من شجب واستنكار!

وإن كنا نقر بدور الوعي المجتمعي والذائقة الشعبية السائدة في تمثيل بعض العرقلة لوصول أقطاب ورموز التيار الوطني الديمقراطي إلى برلمان 2006، إلا أننا لا يمكن أن نتغاضى عن عدد من العوامل المصيرية التي ما زالت حتى اللحظة الراهنة في حكم المنسي والغائب رغم كونها اللاعب الرئيسي، وعلى رأسها إتاحة وإباحة المجال لاستغلال المنابر الدينية بشكل طاريء ومفاجيء وفي توقيت يثير الشكوك بقوةٍ، وذلك لتكثيف الهجوم الوقح على بعض النخب التقدمية والرموز الوطنية المناضلة غير المرغوب في وصولها للبرلمان، إلى جانب غض النظر عن مخالفات الأصحاب و»الأحباب»، وأفاعيل المال السياسي الضخم المغطى خارج أعين الرقابة والذي تم صرفه بسخاء على عدد من «أولاد الحلال»، لتشترى وتحشد وتجند الأصوات مدنية وعسكرية تحت لواء مترشح فلاني، وذلك في قبالة مترشح آخر إن كان ذا كفاءة عالية وسيرة حسنة إلاّ أنه سيء الحظ، سينال خسارة مريرة، ويتكبد أكلافاً طائلة وكبيرة في الانتخابات، ليتكفل بدفع الثمن غالياً بعد انتهائها لأجل غير معلوم!

وما تردد عن ازدواجية في تطبيق القوانين والتشريعات الموضوعة لتنظيم العملية السياسية، وكأنما المعركة بين صف وطني موالي في مواجهة صف معارض عميل للخارج!

ورغم تلك الحرب الشعواء المفتوحة، التي استخدمت فيها الأسلحة غير المحرمة والمحرّمة معاً، فإن أشكال التفاعل الشعبي الإيجابي التي اكتسبها بعض أقطاب التيار الوطني والديمقراطي في وقت محدود نسبياً، وما أشارت إليه الأرقام المعلنة في نتائج الانتخابات النيابية من تأهل أبرز وجوه هذا التيار إلى الجولة الثانية، وبنسب مرتفعة، لا يغتفر تحجيم هذا التيار والحكم النهائي بسقوطه، ومحاولة إلباس هذا السقوط لبوساً قدرياً على منوال «صراع الحضارات» و»معركة هرمجدون» و»الإنسان الأخير»!

ومن المضحك أن المحاولات الكاريكاتورية والاحتفاليات الإعلامية الأخيرة للتشفي بعدم نجاح التيارات الوطنية الديمقراطية في الوصول إلى برلمان 2006 في لعبة سياسية معروفة قواعدها الموصولة سلفاُ، قد أطاحت بكبار الضاحكين والمهرجين الإعلاميين والملمعين اصطناعياً في أوحال التقسيمات الطائفية والتناقض الخطابي قبل التناقض بين النظر والعمل، ليكون الحديث عن وطن تتقاسم كعكته الطوائف والاثنيات، وعن برلمان رغم امتناعه عن أصحاب الكفاءات إلاّ أنه سيسير بالوطن ومشروعه الإصلاحي إلى بر الأمان، فتغيب إلى الأبد كلمات أحمد شوقي الصادحة، والتي من الممكن أن تفهم بأكثر من وجه ومعنى:

دار النيابة هيئت درجاتها

فليرق في الدرج الذوائب والذرا

الصارخون إذا أسئ إلى الحمى

والزائرون إذا أغير على الشرى

لا الجاهلون العاجزون ولا الألى

يمشون في ذهب القيود تبخترا!

وتغيب الأنظار المرتعشة عن وطنية ومواطنية موسمية تستخدم كأداة تسويق وتسويغ معاً لتحقيق مكاسب مرحلية وموقوتة لصالح فريق مهيمن سياسياً ضد فريق سياسي آخر مختلف، فيتم التجميع والتكالب والتحشيد الوطني في موسم معين، والتوزيع والتقسيم والتفريق على حدة في مواسم أخرى.

ما نود التأكيد عليه باختصار، هو أنه لا يمكن الرضوخ والسكوت على أن يكون «الوطن» و»الوطنية» و»المواطنية» كرة مطاطية في ملاعب ملساء، يتم تقاذفها يمنة ويسرة لتحقيق النقاط والأهداف والمكاسب التنافسية السياسية محلياً ودولياً، وإنما ينبغي لهذه المفاهيم الكبرى ذات الدلالات الثرية الجامعة والموحدة، أن تنزع عن كونها أداة سياسية وتستحيل فضاءً للوطن بكل أبنائه، وهو ما يعجز عن فهمه الغارقون في المال السياسي الحرام، والمستبيحين لدفء الحضن السائب?

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1563 - السبت 16 ديسمبر 2006م الموافق 25 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً