العدد 1563 - السبت 16 ديسمبر 2006م الموافق 25 ذي القعدة 1427هـ

البحريني والأرض... معاناة في امتلاك العقار

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

التقيت أحد الأصدقاء في إحدى أمسيات المجالس الرمضانية المنتشرة في معظم أنحاء البحرين العامرة بالخير والمحبة والمودة، حيث يسود الصفاء النفوس وترفع الكلفة بين الناس. قال لي هذا الصديق: لقد سئمت نفوسنا وملت من كثرة ما تتناوله الصحافة المحلية والعربية من تحليلات سياسية واجتهادات ورؤى متباينة في كثير من الأحيان، فالكل يدلي بدلوه وينسب إلى نفسه معرفته بكل شئ، وهي في الواقع بعيدة عن المنطق ولا تستقيم مع حقائق الأمور. لذلك فإن الكثيرين من أمثالنا يتوقون إلى كتابات بعيدة عن تلك الأجواء المتجهمة، فكأن السماء تكاد تطبق على الأرض وتحيل حياتنا إلى جحيم مقيم لا يطاق.

في العام 1985 وكنت حينها في ديار الغربة، خلال عملي بالأمم المتحدة بنيويورك، بعيداً عن الوطن والأهل والأصدقاء، اتصل بي فاعل خير -وما أقلهم في هذا الزمان- يعرض علي شراء قسيمة من الأرض، فهو وكيل لصاحبها المتخم بالأراضي والعقارات. وقال: على رغم أن المساحة كبيرة فإن السعر مغرٍ وعليك ألاّ تضيع هذه الفرصة الذهبية.

عندما عدت إلى البحرين في إجازة سريعة، عاينت هذه الأرض الواسعة الأرجاء مع الصديق المرحوم إبراهيم فقيهي، الذي اشترى أرضين دون تردد، لما يتمتع به من حس تجاري، فوجدتها في منطقة بعيدة عن العمران، فهي بقايا بساتين جفت ينابيع عيونها وتحولت إلى أراض قاحلة أو يباب. ولاحظت وجود بقايا إعجاز نخل خاوية وطعوس مرتفعة من الرمال. وبعد تردّد شديد ختمته باستخارةٍ في فجر ذات يوم، توكلت على الله وحسمت أمري وأخذت قرضاً من البنك. وعانيت بعد ذلك صعوبات جمة في تسديد ثمن هذه الأرض على مدى ثلاث سنوات، ولكي أؤكد ملكيتي لهذا العقار أحطته بسور مكين.

يذكر أن شركة «مكينزي» العالمية التي لها مكاتب في معظم دول العالم ومنها الصين والهند، رصدت في مسحها الجوي للبحرين هذه الأراضي المسوّرة، وهي عديدة وشاسعة، وكان أول بيت يسوّر في هذه المنطقة الجديدة الواعدة.

وبعد التسوير ارتفعت قيمة هذه الأراضي وتجاوزت سقف الخمسمئة فلس للقدم المربع، لتتعدى الدينار، وهي مازالت في زيادة مستمرة. وشاءت الأقدار أن يسبقني جاري ببناء بيته بسرعة مذهلة وعزيمة لا تلين، إذ شيّد بيتاً ضخماً بمرافقه المختلفة من خدم وحشم. جاءني يوماً متوسلاً أن يكتفي بسور بيتي بدل أن يقيم له سوراً مجاوراً لسور منزلي، وقال أن السور الذي سيكلفه قدراً من المال هو بحاجة إليه، فوافقت في الحال، كيف لا والرسول (ص) أوصانا بالجار؟ وأذكر انه خلال إقامتي في الولايات المتحدة، كان من المألوف أن ترى الناس في المدن الصغيرة والضواحي يبنون سوراً مشتركاً لمنازلهم المتجاورة.

وكان لي فضول فسألت جاري: وهل ستنفق ما تجمع على الفقراء والمحتاجين والمساكين وابن السبيل؟ فقال: إنك تعيش في الغربة وتجهل أن معظم الناس في البحرين بخير وعافية، ولا يحتاجون إلى مساعدتنا، ونحن من العاملين عليها! ما يلمح إلى انه سوف يضمها إلى رصيده المتخم بالملايين، فباركت له توجهه هذا، فلعله يتصدق ببعضها في مقتبل الأيام!

وانصرفت بعدها إلى غرس النخيل، التي أثمرت رطباً جنياً، من رطب «الإخلاص» و»البرحي»، فما ألذ البسرة منه. كما أن الأشجار الباسقة في هذه الحوطة الواسعة الأرجاء تكاد تطاول السماء.

وكان تخطيط هذه المنطقة من قبل البلدية تحويل هذه القسائم البلدية إلى سكن نموذجي ذي مساحة خضراء سندسية لعائلة واحدة، وبما أن الأمور في بلادنا البحرين ومعظم البلاد العربية لا تسير على ما يتمنى المرء ويبغي، فسرعان ما تتحول إلى مجمعات سكنية من الخرسانة الصماء لتضم عدة فلل بدلاً من فلة واحدة، ويبدأ العمران في الزحف على هذه المنطقة وتصبح مجمعات وفللاً أشبه بالفطر?

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1563 - السبت 16 ديسمبر 2006م الموافق 25 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً