عدة مفاجآت حدثت في النصف الأول من الشهر الجاري، وهذه المفاجآت تعتبر «ابتكارات تقليدية»... وعلى رغم الابتكار فإنه من المفترض فيه أن يبتعد عن التقليد، إلا أن مالدينا على الساحة السياسية البحرينية يعتبر ابتكاراً من أجل المحافظة على التقاليد التي تتحكم في تصرفات السلطة و المعارضة. فبعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، سادت «توقعات متفائلة» لدى كثير من الناس بأن الوقت قد حان فعلاً للخروج من الأسلوب «التقليدي» في ممارسة السلطة، ومن الأسلوب «التقليدي» في ممارسة المعارضة.

غيرأن المتفائلين فوجئوا بـ «ابتكارات» من الجانبين لتعزيز التقاليد القائمة على «عدم الاستماع»، وانعدام الرؤية البعيدة، وفقدان التسامح تجاه الآخر، والانجرار نحو التمترس خشية من المستقبل.

من هنا يمكن فهم قرارات السلطة، وكذلك رد فعل كتلة «الوفاق» التي تنفرد بالمعارضة البرلمانية بسبب ما جرى قبل وأثناء فترة الانتخابات. التشكيلة الحكومية تعتبر ابتكاراً للمحافظة على كل شيء وكأن البحرين لم تمر بسنوات من التجارب، وكأن البحرين لم تمر عليها أية حوادث من أي نوع خلال الأشهر الماضية. تشكيلة مجلس الشورى كانت مفاجئة أيضاً من عدة جوانب، وتعبر عن تمسك شديد بما هو موجود كما لو أن البحرين لم تمر بما مرت به. ويأتي رد فعل «الوفاق» كمفاجأة مماثلة للمفاجأتين الأخريين، اذ لم تستطع الكتلة البرلمانية المعارضة (التي لم تدخل البرلمان قط) من البدء بعملها من دون أن تقول للجميع إن لديها رد فعل يساوي المفاجآت الاخرى ولكن في الاتجاه المعاكس.

بين كل هذه «الابتكارات التقليدية» تضيع أمور وفرص عدة... تضيع فرصة البدء بنفس جديد، وبصفحة جديدة ... تضيع فرصة الاستماع الى الآخر، فالسلطة لا تستمع، والمعارضة لا تستمع أيضاً، وعدم الاستماع يولد بيئة «صماء»... تضيع فرصة الحوار لأن الابتكارات الاستباقية التي شاهدناها تبعث على الاحباط، وتخرس الألسن، وتتحول بيئتنا السياسية الى بيئة «بكماء». وعلى رغم أن ذوي الاحتياجات الخاصة من الصم والبكم لهم أساليبهم التي يستطيعون من خلالها تجاوز المعوقات التي ولدوا معها، ويستطيعون حالياً التحدث والحوار وتبادل الآراء، فإن بيئتنا السياسية التي يمارسها من حباهم الله بالسمع والبصر، تحولت الى ساحة من الصم والبكم الذين يفضلون عدم الاستفادة مما أنعم الله عليهم من نعم، وما وفر الله لهم من فرص. وربما علينا أن نسجل براءات اختراع للابتكارات التقليدية التي حققناها بامتياز. فكما ان التصرف وكأنه لم يحدث شيء خلال الأشهر الماضية خطأ، فإن ترك موقع الحدث (واعتبار ان ذلك سيحل مشكلة من المشكلات) خطأ مماثل أيضاً?