العدد 1562 - الجمعة 15 ديسمبر 2006م الموافق 24 ذي القعدة 1427هـ

التيار الوطني الديمقراطي

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

درجت قوى اليسار البحريني وتنظيماتها السابقة (جبهة التحرير الوطني البحرانية، الجبهة الشعبية لتحرير البحرين وحزب البعث العربي الاشتراكي) على تسمية نفسها بالتيار الوطني الديمقراطي. وكانت هذه التسمية قد تكرّست بشكل واضح وصادق حينما عمدت تلك التنظيمات إلى إحداث تغييرات جذرية في طبيعة استراتيجياتها السياسية ومهماتها النضالية منذ نهاية السبعينات الماضية دخولاً في العقد الثمانيني. وجرى ذلك اتساقاً مع ما حدث من تغير في فهم ورؤى هذه التنظيمات عن طبيعة التطور الاقتصادي والسياسي لمنطقة الخليج عموماً والبحرين خصوصاً. كما أن تلك التغيرات لم تأت من فراغ بل فرضتها تغيرات أخرى كبرى جرت على الوضع السياسي العالمي والعربي والإقليمي والمحلي. لقد تراجع دور الاتحاد السوفياتي السابق مع بداية العهد الغورباتشوفي عن احتضان حركات التحرر الوطني ودعمها كما سابق العهد السوفياتي. ثم حدث السقوط المدوي للمنظومة الاشتراكية، ما ترك أثراً كبيراً فيما جرى من مراجعة وتغيير تلك القوى لاستراتيجياتها وبرامجها النضالية. وكان لخفوت الزخم العالمي لمنظومة أحزاب الاشتراكية الدولية أثر مشابه. وعلى المستوى العربي تضاءل الطرح السابق الحار والملح لموضوع الاشتراكية العربية والوحدة العربية نظراً لتغير طبيعة الأنظمة العربية وضعف توجهاتها نحو هذا المنحى. وعلى مستوى الإقليم الخليجي ومنذ الثمانينات الماضية برزت توجهات رسمية ايجابية نحو الإصلاح السياسي والإشراك الجزئي للشعوب في العملية السياسية.

كل تلك العوامل وغيرها من عوامل داخلية ذات علاقة بالبنية الداخلية للتنظيمات المذكورة جعلها تتخلى إلى غير رجعة عن استراتيجيتها السابقة في الرفض التام للأنظمة السياسية القائمة في الإقليم الخليجي. فتخلت عن طروحاتها الحادة واعتبرت أن مهمتها الأساس ليس السعي إلى إسقاط الأنظمة بقدر ما هو النضال من أجل الإصلاح الوطني الديمقراطي في ظل الأنظمة السياسية القائمة ومن خلالها. فاختفت من أدبياتها السياسية طروحات النضال من أجل تغيير الأنظمة، والنضال من أجل الاشتراكية بقيادة حزب الطبقة العاملة. وتم التخلي عن استراتيجية الكفاح المسلح كوسيلة لتغيير الواقع السياسي، بل وخفّت حدة طروحات النضال لتحقيق الوحدة العربية. وحلت محل كل ذلك طروحات النضال الذي يستقطب قوى وفئات الشعب كافة من أجل وطن ديمقراطي في ظل الأنظمة السياسية القائمة.

مع بدء عهد الإصلاح بقيادة جلالة الملك ذهبت تلك القوى إلى مسافات بعيدة في تفاعلها مع المحطة التاريخية الجديدة والمهمة التي يمر بها الوطن. فتجاوباً مع نوايا الإصلاح الديمقراطي التي طرحها العهد الجديد، غادرت تلك القوى أوضاعها السرية وأودعت تنظيماتها الأم حضن التاريخ وتحوّلت إلى تنظيمات سياسية علنية تتمثل في: جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) كامتداد للجبهة الشعبية؛ وجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي كامتداد لجبهة التحرير؛ وجمعية التجمع القومي الديمقراطي كامتداد لحزب البعث. وأصبحت تلك الجمعيات الممثل الأكبر للتيار الوطني الديمقراطي على الساحة السياسية البحرينية.

وهنا حري بنا أن نسأل: لماذا تيار وطني ولماذا ديمقراطي؟ أما تركيز هذه القوى على مسمى التيار الوطني فمفاده حرصها على الأخذ بالبعد الوطني فحسب في جميع رؤاها وتوجهاتها وعملها. فالبعد الوطني يعني النظر لمكونات هذا المجتمع كوحدة واحدة تجمع شتى الأصول والأعراق والأديان والطوائف والأجناس في وحدة وطنية مبنية على معيار المواطنة والانتماء للوطن والاعتداد بهذا المعيار من دون غيره من معايير قبلية أو طائفية أو مذهبية.

وأما مسمى التيار الديمقراطي فلأن هذه القوى تنظر إلى الديمقراطية في بعدها السياسي على أنها حكم الشعب بمشاركة كل مواطن في إدارة مجتمعه من خلال ممثليه في السلطة. وتنظر إلى الديمقراطية على أنها تضمن حق التعدد السياسي والتمتع بسيادة الحق والقانون وضمان الحريات الأساسية لكل المواطنين. كما تنظر إلى الديمقراطية في بعدها الاجتماعي على أنها العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين من دون النظر لأي اعتبار غير اعتبار مواطنتهم وانتمائهم لهذا المجتمع.

هكذا تتلازم معايير المواطنة والانتماء للوطن مع معايير الديمقراطية في بعديها السياسي والاجتماعي مشكّلة معمار الوحدة الوطنية الذي يعبر عنه ويحققه التماسك المجتمعي. وتلك - بظننا - علاقة جدلية فلا يمكن أن تُبنى الوحدة الوطنية من دون إرساء الديمقراطية وضمان الحريات الأساسية للمواطنين، ولا يمكن بناء الديمقراطية في غياب الوحدة الوطنية. وتلازم الوطنية والديمقراطية وحده الكفيل والضامن لتوجهات المجتمع نحو التنمية الشاملة والمستدامة بشكل سليم يحقق التقدم الدائم ومواكبة الركب الحضاري لأمم الأرض. ذلك ما يؤكد أن هذا التيار برؤاه وخطه السياسي يشكل ضمانة أساسية لأي إصلاح ديمقراطي في المجتمع، وبالتالي هو دعامة أساسية لتطور المشروع الإصلاحي ومضيّه قدماً للأمام. وللتيار الوطني الديمقراطي تقاطعات مع الاتجاهات الليبرالية والعلمانية، فهو يلتقي مع الليبراليين في جهة ما يتفق مع إيمانهم الفكري بالحرية الفردية وعنايتهم بحق التمثيل السياسي لجميع المواطنين وبحرية الكلمة والتعبير والعبادة. ويكادان -اليوم- يلتقيان في رؤيتهما لطابع النمو الاقتصادي الملائم للمجتمع وفي ضمان الحرية الاقتصادية لجميع المواطنين. كما يتقاطع مع العلمانية في مبدئية احترام الدين وعدم المتاجرة به، والنأي بالدين عن الاستغلال في السياسة. ويذهبان معاً إلى ضرورة أن تقف الدولة موقف الحياد من العقائد والمذاهب التي يدين بها المواطنون. وبالمحصلة فإن التطبيق الفعلي للديمقراطية لا يكون إلاّ بالأخذ بالمبادئ العلمانية، والعلمانية لا تتحقق إلاّ من خلال الممارسة الديمقراطية.

بالإضافة إلى التنظيمات السياسية التي أتينا على ذكرها، يوجد التيار الوطني الديمقراطي على الساحة البحرينية من خلال أفراد مستقلين غير منتمين إلى الجمعيات السياسية المذكورة. جزء منهم كان منضوياً إلى التنظيمات السياسية السابقة ولم يشأ اليوم ممارسة العمل السياسي من خلال الجمعيات السياسية القائمة حالياً. وجزء كان من أنصار خطها أو من أصدقائها، هذا بالإضافة إلى فئات من المحسوبين على الخط الناصري. أضف إلى ذلك الكثير من الأفراد المحسوبين فكراً وهوى على هذا التيار ممن ارتأى التحول إلى العمل الوطني ضمن مؤسسات أهلية غير سياسية كالجمعيات الثقافية والجمعيات الحقوقية والمهنية والنسائية والنوادي. كما يتقاطع التيار مع فئات غير قليلة من التجار ورجال الأعمال والعمال.

التيار الوطني الديمقراطي في مجتمعنا تيارٌ يوجد على رقعة واسعة لا يُستهان بامتداد خيوطها في النسيج المجتمعي، لكنه اليوم متفرق غير مؤثر وذلك أحد الأسباب الرئيسية في أزمته الراهنة?

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1562 - الجمعة 15 ديسمبر 2006م الموافق 24 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً