العدد 1562 - الجمعة 15 ديسمبر 2006م الموافق 24 ذي القعدة 1427هـ

لماذا عادت واشنطن إلى التصعيد ضد دمشق؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

عادت الإدارة الأميركية إلى سياسة تصعيد خطابها النقدي ضد النظام السوري ودوره الإقليمي بعد هدوء اتسم بالصمت امتد نحو ثمانية أشهر. فالبيان الرئاسي الذي صدر عن «البيت الأبيض» في الأسبوع الماضي تميز بالسلبية إذ استخدم لغة ساخنة حين تعرض للنظام وانتقده بقوة على المستويين الداخلي والإقليمي. وطرح صدور «البيان» سلسلة أسئلة تتعلق بتلك الأسباب التي أملت سابقاً على واشنطن سياسة الصمت لمدة شهور ثم العودة مجدداً إلى التهجم المباشر من دون إعطاء فكرة عن الدوافع الكامنة وراء هذه الخطوة.

خلال فترة الشهور الماضية جرى الكثير من الكلام عن حصول اتصالات سرية بين دمشق وواشنطن. وعلى رغم نفي المصادر المتابعة لمثل هذه الاتصالات فإن المراقبين لاحظوا تراجع اللهجة النقدية وتجاهل واشنطن للكثير من المواقف التي تعتبر مضادة لسياستها في منطقة «الشرق الأوسط». وحتى الآن لا يعرف ماذا حصل وماذا لم يحصل خلال هذه الفترة من تفاهمات وتوافقات.

هذا السكوت الإعلامي جرى تفسيره على أوجه مختلفة. فهناك من قال إن الولايات المتحدة أصبحت في موقع ضعيف وتفكر بالانسحاب من العراق وتريد مساعدة «دول الجوار» وتعتبر سورية دولة مؤثرة في هذا الصدد ولا بد من التعاون معها لإيجاد مخرج لتلك الورطة التي وقعت فيها في بلاد الرافدين. وهناك من قال إن الرئيس الأميركي قرر الابتعاد عن الخطوات التصعيدية خوفاً من استغلال الحزب الديمقراطي، المنافس له في الانتخابات التشريعية النصفية، لتلك الأخطاء في معركة تعتبر حاسمة في تقرير توجهاته الدولية في السنتين المقبلتين. وهناك من قال إن الإدارة الأميركية وجدت نفسها محاصرة إقليميا بين ثلاث مقاومات «شرق أوسطية» الأولى في العراق، والثانية في فلسطين، والثالثة في لبنان، وتشكل دمشق نقطة تقاطع لهذه المقاومات الثلاث وبالتالي على واشنطن ان تخفف لهجتها النقدية مع سورية إذا أرادت التوصل إلى هدنة سياسية في المنطقة. وهناك من قال إن إدارة جورج بوش اكتشفت بعد خمس سنوات من المغامرات العسكرية، التي كلفت الخزينة الأميركية نحو ألف مليار دولار، إنها في موقع لا تحسد عليه داخلياً بسبب نمو تيار معارض لنهج «الحروب الدائمة» ودولياً بسبب عودة روسياً على خط الاعتراض بعد غياب قسري وإقليميا بسبب نمو قوة إيران ونجاح حماس في الانتخابات الفلسطينية وعدم قدرتها على تصنيع بدائل تعتمد عليها للتباهي بها أمام خصومها.

قيل الكثير من الكلام حيال الصمت الأميركي اتجاه سورية وحتى الآن لم تتبرع جهة معنية بالأمر بتوضيح تلك الألغاز والالتباسات. فهل واشنطن فعلاً في وضع ميئوس منه وهي تحتاج إلى مساعدة خصومها للخروج من المأزق العراقي؟ لا جواب عن هذا السؤال. وهل واشنطن كانت تنتظر حصول تطورات إقليمية تلعب لمصلحتها في فلسطين ولبنان فقررت السكوت لإعادة استخدام تلك الأوراق في معركتها الانتخابية ضد منافسها الديمقراطي؟ لا جواب أيضاً عن هذا السؤال. وهل واشنطن كانت تنتظر تقرير بيكر- هاملتون وترى فيه محاولة للانقلاب على إستراتيجيتها الدولية لذلك قررت تهدئة الجبهات بانتظار ماستسفر عنه نتائج التحقيق والانتخابات وبعدها تعود إلى سابق عهدها؟ أيضاً لا جواب عن هذا السؤال.

الكثير من الكلام قيل عن الصمت الأميركي حيال النظام السوري وأسئلة كثيرة طرحت بشأن هذه الزوايا الغامضة في سياسة واشنطن. وكل ما قيل وطرح لا يزال حتى الآن مجرد تكهنات لا تستند فعلا إلى وقائع واضحة في معالمها أو دامغة في دلالاتها الحسية. كل ما يمكن ملاحظته في هذا الشأن هو تلك الانطباعات العامة التي انتبهت إلى وجود نوع من الصمت الأميركي الذي امتد نحو ثمانية شهور وانكسر فجأة في الأسبوع الماضي حين صدر ما أطلق عليه «البيان الرئاسي». فالبيان أعاد تذكير الرأي العام بوجود ملاحظات أميركية على سلوك النظام السوري. ولم تقتصر لهجة النقد على الدور الإقليمي لدمشق في العراق ولبنان وفلسطين وإنما تطرقت أيضاً إلى سلوك النظام في الداخل وتعامله مع الأسرى والمعارضة وغيرها من نقاط دأبت على إطلاقها واشنطن بمناسبة أو من دون مناسبة.

انكسار هدنة

هذا «البيان الرئاسي» الذي كسر الصمت فجأة جدد طرح الأسئلة عن ماذا يحصل وراء الكواليس. ولماذا أصلاً ساد نوع من السكوت لمدة ثمانية أشهر؟ ولماذا انهار الصمت فجأة بعد كلام كثير عن اتصالات «طويلة وناجحة» بين دمشق وواشنطن جرت في نيويورك وغيرها من الأمكنة؟.

لا أجوبة واضحة بشأن الأسئلة. وكل ما يقال مجرد تكهنات أقرب إلى الفرضيات ولا أدلة دامغة تؤكد هذه الوجهة أو تلك. فالأجوبة تخمينات لذلك يرجح أن تكون مفتوحة على كل الاتجاهات والاحتمالات والتجاذبات. مثلاً قيل ان واشنطن تخوفت من التقارب السوري - الإيراني بسبب سياسة الضغط والتهديد التي تمارسها يومياً على دمشق فلجأت الى تعديل الزاوية بقصد فك الارتباط وابعاد دمشق عن طهران. وقيل أيضاً ان سورية صاحبة نفوذ مباشر وغير مباشر على بعض اجنحة المقاومة العراقية وحماس في فلسطين وحزب الله في لبنان وبالتالي لابد من تليين السياسة معها بقصد الاستفادة من تأثيرها على تلك المواقع الثلاثة. وايضاً قيل ان واشنطن بصدد مراجعة استراتيجيتها في «الشرق الأوسط» وهذا يتطلب إعادة النظر في سياساتها وتحالفاتها الاقليمية وبالتالي لابد من فتح قنوات دبلوماسية مع دمشق والتعامل معها بجدية اذا اراد بوش فعلاً انقاذ سمعته من الوحل وانجاح خطواته في الفترة الزمنية المتبقية لديه في «البيت الأبيض».

التفسيرات والتأويلات والشروح اذاً مفتوحة على أكثر من جبهة والاحتمالات والتجاذبات ليست مقفلة. ولكن يبقى السؤال العجيب: لماذا هذا الصمت الذي امتد على فترة 8 شهور؟ ولماذا فجأة انكسر بذاك «البيان الرئاسي»؟.

هناك من يقول ان الرئيس بوش اراد توجيه رسالة قوية للمراهنين على إمكان قبوله بكل التوصيات التي خرج بها تقرير بيكر - هاملتون. فالبيان يشكل اشارة نقدية لذاك التقرير وأول خطوة عملية باتجاه رفضه أو قبول اجزاء منه. فالتوصيات تؤكد أهمية الاتصال بسورية وإيران اذا ارادت واشنطن ترتيب انسحاب معقول من العراق لذلك لجأ «البيان» الى التهجم على النظام السوري وانتقاد سلوكه الداخلي والاقليمي ليؤكد ان موقفه لم يتغير وهو لايزال يصر على تحميل دمشق مسئولية تعثر مشروعه في العراق والمنطقة وتحديداً فلسطين ولبنان.

هذه القراءة للبيان الرئاسي تحاول ان تضع المسألة في إطارها الأميركي والتجاذبات السياسية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. أي ان «البيان الرئاسي» يعتبر رداً على تقرير بيكر - هاملتون وليس عودة الى سياسة التخاصم مع سورية. فالبيان استخدم لهجة التصعيد ضد دمشق لحسابات داخلية تتعلق بالضغوط على الرئيس في واشنطن ولاتعني بالضرورة كسر تلك الاتصالات التي باشرتها الادارة منذ فترة من خلال قنوات سرية او اتصالات مباشرة مع دمشق.

الا ان هناك قراءة مخالفة ترى في «البيان الرئاسي» محاولة لتجديد سياسة اتسمت بالتشدد حيال سورية خلال السنوات الثلاث الماضية، وهاهي تعود بعد انقطاع دام ثمانية اشهر اختبرت خلاله واشنطن مدى قوة دمشق ونسبة نفوذها على المقاومات الثلاث ومنسوب تأثيرها وقدرتها على المساعدة في الحد من انفلات العنف في العراق وفلسطين ولبنان.

هذا التفسير يخالف الآخر لأنه يضعه في إطار الاستراتيجية الأميركية في المنطقة وعدم وجود وضوح في رؤية بوش ولا رغبة لديه في تعديل زوايا الصورة. وفي حال كانت هذه القراءة هي الصحيحة أو الاقرب الى الواقع فمعنى ذلك ان فترة الهدوء التي شهدتها العلاقات السورية - الأميركية كانت مجرد اختبار ميداني للتعرف على مدى صوابية الكلام عن القدرات التي تملكها دمشق في التأثيرعلى الاقاليم. والآن انقضى أجل الفترة او شارفت مدتها على الانتهاء.

اذا كان هذا هو توجه واشنطن في الفترة المقبلة فإن المسألة تفتح المنطقة على آفاق سلبية ستظهر نتائجها في أكثر من مكان وتحديداً في العراق وفلسطين ولبنان. وبالتالي فإن «البيان الرئاسي» ليس نهاية مطاف بل خطوة أو مناورة جديدة ترسم معالم توجهات سياسية ليست بالضرورة انسحابية?

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1562 - الجمعة 15 ديسمبر 2006م الموافق 24 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً