بصمت وتألق عزفت الفنانة الايطالية المشهورة كريستينا بيغوراروا مقطوعاتها الموسيقية، في طلة جديدة لها قدمتها في أمسية بالمنامة، ومن خلال وجه مبتكر مقبل بالفن خصته للبحرين بحسب افتتاحيتها.
أقبلت وأناملها تحمل خمسة أنغام موسيقية، بشيء جديد لجمهورها، فبدأت العزف على البيانو بلمسات هي انعم ما رأيت في دقة حركتها وضرباتها أجراس البيانو.
فبنعومة مختلفة جداً، كانت تخبئ وراءها ألحاناً جديدة على جمهور البحرين، الذي حملت له موسيقى كلاسيكية لبيتهوفن وشوبارت وأخرى من تأليفها الخاص مقتبس من موسيقى الكلاسيك مع موسيقى التانغو والكوبية وذلك بصورة مبتكرة.
وأحالت بثيماتها الموسيقية الصالة الثقافية مكان الأمسية السبت الماضي إلى أجواء من الشاعرية والكلاسيكية والرومانسية، وذلك من خلال حركة يديها اللتين كانتا تنطلقان بين البطء والسرعة... عزفت بهما، وأطلقت الألحان بطريقتها الخاصة.
تملكتنا عازفة البيانو الايطالية الشهيرة كريستينا بيغوراروا بأدائها، ولم تطلب منا الهدوء أو الصمت، فقد امتلكت بعزفها صمتنا وأسماعنا ونظرنا، كما امتلكت بحركة أناملها انشدادنا وحرارة تصفيقنا حال انتهائها الذي تفاجأنا به.
وفور أن انطلقت في عزف مقطوعتها الثانية، التي قدمتها بطريقة مبتكرة لمقطوعات سوناتا 57 الكلاسيكية لبيتهوفن، وتمثل الابتكار في طريقة أداء ألحان بتهوفن بما مازجته من جديدها أمسكت البيانو وكأنها تمسك بأحد أصابعها، فعزفت ألحاناً تناغم الروح وأنغاماً فيها من الجديد والعذوبة ما يأسر المكان والذاكرة، ولحظات من الشاعرية لا يستطيع القلم توصيف حالها، إذ لا يمكن إلا أن نصف دقة وحركة أناملها التي كانت تسرع كسرعة موجة هائجة، وتبطئ كبطء تساقط الثلج.
وقدمت كريستينا القادمة من بلدة اومبريا الايطالية شيئاً من عالمياتها الشهيرة التي خصصتها للخليج والبحرين، وأحالت الصالة إلى موجات بحرية فيها يبدو المستمعون يتذوقون شيئاً ما، وآخرون مأخوذين في سبات الصمت مرددين "ما شاء الله على هذا الإبداع"، وموجة أخرى من الحضور تدقق النظر على حركة أناملها على البيانو وهي تعزف، ولم أكن خارج تلك الموجات، إذ كنت منشداً لألحظ إن كانت تقرأ الألحان من أوراقٍ أمامها أو وضعتها على البيانو أو بالقرب منه، فلم أنل من ذلك شيئاً لحين انتهاء العرض فصعدت المسرح ولم أجد للأوراق مكاناً غير أني عرفت أنها كانت تحفظ الألحان عن ظهر قلب، وكانت تحملها في وجدانها وفي لمسات أناملها ووسط روحها.
من جهة أخرى، يقول أحد الحضور: "يا لها من بارعة" وهو يهز رأسه ويواصل "أرأيت دقة حركة أصابعها وبدء يديها"،أن بدأت في عزفها الثالث بعد أن توقفت لدقائق، وعزفت مقطوعتان موسيقيتان الأولى بعنوان: "ألوان الحب" والثانية "الريح والبحر"، كانت تعزف فتأخذ بيديها كل البيانو، والبيانو الذي طوله متر ونصف المتر، كانت تلامس أوله بيمينها وتضع يدها الأخرى في آخره فتحتويه بيديها، فتعزف باليمنى نغماً وباليسرى آخر لتكمل اللحن بطريقتها المبتكرة.
كذلك المسرح ملكته، المسرح الذي جُهزَ بشيء من الهدوء، ولكنه لم يكن خارجاً عن عالم عزفها أو خارج حدود سيطرتها، فعندما تعزف كريستينا تودع المكان هدوءاً وإن شاءت تحيله إلى العكس كموجهة بحرية هائجة، فالمسرح كان كذلك فقد كان يحمل الإضاءة الزرقاء الساكنة، وباقة من الورد والبيانو في وسط المسرح، فكان الجمهور مأخوذا لما كانت تأخذهم أنغام مقطوعات كريستينا وما كانت تحيله لهم من ألحانٍ جديدة.
لا أبوح سراً إن قلت إن كريستينا هي صاحبة الأنامل الموسيقية، في عذوبة عزفها ودقتها ومفاجآت أناتها الموسيقية كانت تمثل عالما من الأمل والإبداع والغد والإشراق، فيا ترى أي اللحظات عاشها المسئولون والكتاب والمسرحيون، وأي إضافات حصل عليها الموسيقيون وعشاق الفن بخمس مقطوعات قدمتها في ساعة ونصف الساعة؟
يذكر أن الأمسية التي أحيتها عازفة البيانو الايطالية الشهيرة كريستينا بيغوراروا في الصالة الثقافية نظمت من قبل قطاع الثقافة والتراث الوطني بالتعاون مع السفارة الايطالية.
وبحسب مشرف الأمسية الموسيقار عصام الجودر فإنه تم تنظيم ورشة عمل مع العازفة الايطالية ضمت عازفيين بحرينيين هم نور القاسم وخالد الشملان ومحمد حداد وسلام زيمان وزياد زيمان، مشيراً إلى أن هذه الأمسية هي بداية تعاون بين السفارة الايطالية وقطاع الثقافة في مجال الموسيقى على غرار ما تقدمه بعض السفارات الأجنبية في البحرين?
العدد 1562 - الجمعة 15 ديسمبر 2006م الموافق 24 ذي القعدة 1427هـ