الجمعة القادمة ستنتخِب إيران رئيسها الجديد. ربما تكون هناك جولة ثانية، لكن الموعد المضروب يبقى الرابع عشر من يونيو. هي انتخابات مصيرية، لكن مصيريتها لا تنبع من أن قادمِاً جديداً سيأتي للقصر الجمهوري، بقدر ما هي جَبٌّ لمرحلة كانت الأكثر جَدَلاً في تاريخ إيران ما بعد الثورة، والتي تمثلت في تشكُّل تيار سياسي/ ديني/ قومي، حَكَمَ إيران باللاتوافق منذ العام 2005.
بالعودة إلى طبيعة هذه الانتخابات، فإن خروج هاشمي رفسنجاني من حَلَبَة التنافس فيها، قد أفقدها أهم عناصر العملية السياسية الإيرانية، القائمة على النِّدِّيَّة. فالمرشحون الثمانية، هم في الصورة الأعم، لا يمتلكون مؤهلات سياسية وتاريخية وكاريزمية، تجعلهم في موقع التعاطي مع السلطة العليا في إيران (المرشد) من منطلق تكاملي، بل من خلال تنفيذ الأمر.
ولو شاءت الأقدار أن يأتي هاشمي رفسنجاني إلى السلطة، فإنه حتماً سيكون مُشَكِّلاً لها وليس متشكلاً فيها ضمن المجموع. وهو ما يعني طغيان وظيفية منصب رئيس الجمهورية، عن أيِّ اعتبار آخر، يفرضه الداخل الإيراني. وقد كانت التجربة التسعينيَّة (1989 – 1997) دليلاً على مركزية الرجل في هرم السلطة، وتحوُّله إلى قيمة مضافة على منصب الرئاسة وليس العكس.
والحقيقة، أن طبيعة السلطة في إيران لا تتطلَّب بالضرورة تاجَيْن على رأس واحد، كون ذلك مُحالاً، لكنها قادرة على أن تضع بجانب التاج ما يُعتَمَر به عند خُلُوِّه وفراغه. فمن غرائب السلطة في إيران أنها تستوعب مجموعة متقاطعة من الخطوط السيا/دينية، التي تتشكَّل على هيئة حَشدٍ متعدد لكنه متداخل بشكل غريب، بحيث يتحد في مركز العيْن، ويختلف في بقية الوجه.
لذا، فإنك ترى في الخارطة السياسية الداخلية لإيران، ما يُسمى بالتحالفات المقطوعة، التي تجعل منها تحالفات موضوعية في أغلبها وليست تحالفات خالصة أو إستراتيجية، سواءً أكان ذلك في اليمين أو اليسار، أو حتى في مؤسسة المرشد ذاته. هذا التكوين، أفضى إلى ما يُمكن تسميته بالفوضى القِشرية، أو كما كنا نقاربه سابقاً بالحرية المُجبَرَة.
لذا، فقد ترى عضواً في تكتل سياسي مُحدَّد، يشكل وعاءً عقائدياً لفكر سياسي قائم، يتحالف مع أعضاء في تكتل آخر، هو في الأساس ضمن حالة تضاد كُلِّي مع الوعاء الأول، كما هو الحال مع حسن روحاني، الذي ينتمي إلى «روحانيت مبارز»، مدماك اليمين الديني التقليدي، لكنه اليوم، يضع رِجلاً في «روحانيون مبارز»، الخصم التاريخي لـروحانيت، إضافة لباقي القوى الإصلاحية الأخرى.
هذا التعقيد في الرؤى والتحالفات السياسية، يفرض على إيران أن تأتي برئيس غير جهوي (رغم عدم نِدِّيته في أضعف الأحوال) ولديه شبكة مصالح متوازنة، وذلك بهدف جعل السلطة تستوعب كامل الفوضى القِشرية، بغية توسيع دائرة المشروعية فيها، وكذلك لضبط إيقاعها ما بين الظل والضوء. وحين يتحقق مثل ذلك، فإنه سينعكس على الاستقرار الداخلي، وسيقضي على أي شد عكسي يمكن أن يتشكَّل.
عندما ننظر إلى المتبارزيِن الثمانية، فإننا نستطيع أن نُصنفهم كالتالي: 4 + 2 + 1 +1. فعلي أكبر ولايتي، غلام علي حداد عادل، محمد باقر قاليباف، سعيد جليلي، يُمثلون أقل أشكال الحشد تعددية؛ فهم ينتمون بدون تصنيفات أخرى إلى التيار المحافظ، وإن اقتسما الحالة اليمينية، ما بين جبهة الاستقامة (مصباح يزدي) وجمعية علماء الدين المناضلين – روحانيت (مهدوي كَنِي).
أما محمد رضا عارف ومحمد غَرَضِي، فهما ينتميان تقليدياً إلى تجمع علماء الدين المناضلين –روحانيون (مجيد أنصاري) وبالتالي، فهما يقابلان الرباعي الأول من حيث النقاوة الحزبية، لذا، فهما ينتميان أيضاً إلى المسطرة الأقل تعددية، ليس في الأفكار السياسية والدينية، بل في حركة ومنسوب التحالفات، العابرة للحزبية. وهما بنظر الكثيرين لا يُمثلون الجانب الأكبر من السلطة.
يبقى العددان المنفردان من بين المرشَّحين. الأول هو الجنرال محسن رضائي، المقسوم ما بين الماضي اليميني التقليدي عبر نفوذه في مؤسسة الحرس الثوري، وما بين الشراكَة النَسَبيَّة ببيت الإمام الخميني (زواج نجله من حفيدة الخميني) القريبة أصلاً من روحانيون، وما بين الرغبة في الاستقلال السياسي، مع الحفاظ على خيط رفيع مع المرشد، كَشَفَ عنه مؤخراً في خطاباته.
بالنسبة للرقم الثاني، وهو الشيخ حسن روحاني، فهو يختلف عن السبعة الآخرين. فروحاني، الذي ينتمي إلى روحانيت مبارز التقليدية، وفي الوقت نفسه، مندوباً للمرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي، ومسئول مركز الدراسات في مَجْمَع تشخيص مصلحة النظام، هو يمدُّ بخيوطه باتجاه الإصلاحيين، انطلاقاً من مركزه اليميني، وسياسته المعتدلة، وخطابه الجامع.
وإيران بطبيعتها لا تستطيع أن تسير كما سَيَّرها أحمدي نجاد، بالفردانية، والإزاحات القَسْرية للتيارات والقوى الأخرى، بل هي تتطلب تغطية عشرات التحالفات المقطوعة القائمة، وإلاَّ اختلَّت موازنة حكومَتَيْ الظل والتنفيذ، بحيث تتضخم الأولى، وتتحول الثانية إلى مجرد حكم أوليغارشي معزول، لا يتمتع بمصداقية، ولا يتوقع من خصوم الداخل إلاَّ المعارضة كيفما اتفق.
وحسب خارطة البرلمان الإيراني، فإن الإصلاحيين المعتدلين، الذين يشاركون بسبعين نائباً في البرلمان، لديهم سبعة ملايين صوت في أدني الحالات. والمحافظون التقليديون، الذين يشاركون بمئة وخمسين نائباً في البرلمان، لديهم خمسة عشر مليون في الشارع، فضلاً عن النواب المستقلين، أو ذوي الاتجاهات الأخرى، بما يصل إلى سبعة ملايين إيراني، فضلاً عن الأنصار الآخرين.
وبناءً على هكذا خارطة، فإن تهميش أي فريق، لن يجعل الداخل الإيراني مستقراً بالمطلق. وإذا ما عَكَسنا النقاوة الحزبية على المرشحين الثمانية، فإن روحاني ربما يكون الأكثر صلاحاً لحكم إيران، كونه ينتمي إلى الإناءيْن، وتفريعاتهما.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3927 - الجمعة 07 يونيو 2013م الموافق 28 رجب 1434هـ
إلى زائر 16
الوعاظ هنا هم السلاطين... تطرح إعطائهم بعض الوقت كم 1400 سنة أخرى وهل نقدر نحن قيمة الوقت حتى يحق لنا رهن حياة وأرواح الناس ومستقبلهم وضمان بقائهم أحياء في هذا الوقت الذي سوف يكون معاكساً لدورة الزمن والتطور والحياة.س.د
بسك
الظاهر المفروض يرشحونك
كما حلل جيد ليسه التيار المحافظ15مليون صوت التيار المحافظ محظوظ بتزكية المرشد قول الصدق انت محاسب عندالله انا كنتو هناك وارى الناس كيف لا تكن محافظ اكثر من المحافظين يعني ملكي اكثر من الملك (2)
انت كما قلت ملكي اكثر من الملك و محب لتيار المحافظ كيف تقول ان اكثر 15مليون صوت لتيار المحافظ اقول انظر تقارير الشفافيه وحقوق الانسان انظر كيف لا يوجد مراقبين دولين على الصناديق وسهل التزوير،، لما جاء خاتمي في ايامه كان مراقبين على الصناديق حصل اكثر من 23مليون صوت من التيار الاصلاحي في عام 1997م واليوم كل مكان في ايران تذهب التيار الاصلاحي هو الاقوى وعددهم اصبح اكثر الناس 15عام من1997م ان الناس تخاف ان ترفع او تجعل صور خاتمي او زعماء الاصلاح القمع منتشر على رفع صور زعماء قول الصدق يا محمد حرام
أخ محمد
السلام عليكم
روحاني أو قاليباف
روحاني أو قاليباف هما الأفضل لقيادة الجمهورية الإسلامية
الانتخابات الإيرانية صب.
صباح الخير : اشكر الأخ محمد على هذه المقالات الرائعة وخصوصا في الشأن الإيراني ولكن مع الأسف ارى نشاطه ضعيفا او يتضاعف حينما يكتب عن بعض الدول العربية فتراه خجولا حينما يتعرض لنقد نظاما من أنظمة الدول العربية خاصة دول الجوار ، فما ادري ما السبب ؟. ( بحريني أصيل )
ما يصير
ما تدري السبب !!!!!
لا خيار
الإسلام السياسي الإيراني والعربي ذا منهج وعقيدة شمولية (التجربة الإيرانية والتركية والمصرية - خير مثال ) و الادعاء بممارسة الديمقراطية ما هو إلا هرج وهلوسة والضحك على الفقراء والبؤساء .. احتكار التريشيحات ضمن شروط ولاية الفقيه أو تغير نصوص الدستور ومؤسسات الدولة وأخونتها أو تغير ملامح الأماكن العامة بصبغة وملامح القرون الوسطى بأسلوب غوغائي استبدادي ..الديمقراطية لا يمكن تجريدها من مضمونها وجوهرها الإنساني التي وجدت وتستمر من أجله.س.د
رد على زائر 8
المسلمين اين ما كانوا صار لهم قرابة 1400 تحت انظمة شمولية مدعومة من وعاظ السلاطين لإضافة نوع من الشرعية بأنصياع العامة لكلام هؤلاء الوعاظ. فمن الصعب جدا لمن تعودوا ان يكونوا عبيدا لأسيادهم ان يعيشوا ديموقراطية بين ليلة و ضحاها. الموضوع يجب ان يأخذ بعض الوقت لكن يمكن القول ان ايران وتركيا (حاليا) و كذلك مصر اذا استطاعت ان تقوّم بدايتها المتعثرة على هذا الطريق ان يكونوا لبنة اولى في طريق اليموقراطية
مفاجات غير متوقعه
فى اعتقادى ستكون انتخابات الرئاسيه فى الجمهوريه الاسلاميه هاده المرة غير سابقاتها فعلأ هناك اللتفاف غير مسبوق للشعب الايرانى كلما زاد التعنت الامريكى والاوربى ازداد الشعب الايرانى تلاحم وصلابه كئنهم زبر الحديد
أخ محمد
لأن الشعب الإيراني غير راشد من كذا يتدخل المرشد ةلاختيار المرشحين علي المقاس
رد على زائر رقم 5
المرشد لا يتدخل في اختيار المرشحين انما هي احنة قضائية
تصريحات محمد رضا خاتمي
أحد قيادات الإصلاحيين وفي تصريحات لقناة الميادين امس قال بانهم لا يعتبرون حجة الاسلام حسن روحاني اصلاحيا لكنهم سيدعمونه لكونه الاقرب من بين المرشحين الثمانية لهم
عبد علي البصري
اخي محمد الاحسن اليك اتشوف لك مواضيع سياسيه لدوله غير ايران ,, في ذمتك انته شايف واحد من المرشحين لم يعش حقب سياسي مر على ايران لو ما عنده شهادات لو ما عنده خبرات ؟؟؟ اذا كان عيبه انتمائه للمركزيه الدينيه , فلقد صنعت هذه المركزيه والشعب اليراني ما عجزت عنه أكثر الاحقاب التاريخيه السابقه .
هذا الكاتب لديه خبر في شأن ايراني
يا خوي انتى ما تعرفى شنو وضع ايراني لاسف ايران لم تعد فقط غير ديمقراطي بل أصبح دولة دكتاتوري ديني لان التيار الاصلاحي ما في ولا واحد مرشح !!!
رأي
بالعكس الأخ البصري.. مقال الأستاذ محمد غني بالتحليل وبالمعلومات، إلا بحثت عن كلمات مثلما ضربت مثلاً فإنك تضيع على نفسك فهم الموضوع.. أنا أيضاً لا تعجبني بعض الأمور فيما يتوصل إليه الكاتب، لكن بالمحصلة النهائية لا أفوت له مقالاً واحداً يتعلق بالشأن الإيراني، فهو حقاً خبير به..
رد على زائر رقم 3
محمد رضا عارف هو مرشح الإصلاحيين