العدد 3922 - الأحد 02 يونيو 2013م الموافق 23 رجب 1434هـ

ليست الصواريخ وحدها عابرة للقارات... الكذب أيضاً

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

مهما بلغت هذه المَدَنية من مستويات ملْفتة وفارقة فلن تتمكّن من وضع حدٍّ لأخلاق وممارسات بدائية مازال بعض البشر يدمنون ممارستها؛ ليس لأنهم فقط في معزل عن تلك المَدَنية ولا تعنيهم شيئاً؛ بل لأن المَدَنية تلك إما شَرَّعتْ لهم - بشكل غير مباشر - في صورة أو أخرى مثل ذلك الإدمان في الممارسة؛ إما تغافلاً عنهم لأنهم يمثّلون مصالح قوى؛ وإما أنهم مُستهدفون بإقامتهم في الهامش من تلك المَدَنية.

ظواهر السلْب والنهب تقوم بها وتمارسها دول اليوم، ومؤسسات مرخّصة، ولا تحتاج وقتاً طويلاً لتعبر الحدود لتنال الترخيص نفسه.

الأفراد في الصميم من ذلك. الأفراد أدوات تطوّعها الدول (أسمّيها دولاً في العرْف من التسميات؛ ولكنها بعيدة من ذلك كل البعد)، إما لإرهاب الذين لم ولن يرتضوا سياساتها وعنصريتها وكيْلها بأكثر من مكيال؛ وإما أنهم طارئون على الأرض والبشر؛ بحيث تتاح لهم هوامش من السطْوة وممارسة القهر والحيْف على الناس، وتحت مظلّة تلك الدول.

ذلك الخروج على مستوى الفرد وحتى المؤسسات يُواجَه ببنود القانون، في الدول التي تحترم القانون والبشر الذين من أجلهم وضع ذلك القانون، وأحقيّة الأطراف في التخاصم أمامه والمساءلة؛ بدءاً بالرئيس؛ وليس انتهاء بمتشرّد تجاوز مساحته تحت جسر أو حتى أنفاق للمجاري. القانون يمارس دوره ليس فقط في إصدار الأحكام؛ بل في ظل معالجات تسبق كل تلك التجاوزات، ودرء واحتواء لها.

***

مثلما هناك صواريخ عابرة للقارات، هنالك كذب عابر ومتجاوز للقارات. كذب تتولاه مكنة إعلامية لاشك أن من يديرونها ويطلعون بمسئولية توجيهها يتمتعون بموهبة وإمكانات هي في الحضيض من التصنيف؛ لكن ذلك الحضيض يجرّ وراءه الحضيض الذي على شاكلته، ويحيل الأسْوَد أبيض (وهماً). يعمد مثل ذلك الكذب إلى تشويه وتحريف ما لا يمكن لعين أن تخطئه، يحيل الأوهام إلى إنجازات على الأرض، ويحيل الأوبئة إلى صحة وحيوية فائضة، ويحيل الموازنات المفلسة إلى أرقام تكتشف بعدها أن صندوق النقد الدولي مجرد متسوّل أمام جامع أو كنيسة، ويحيل أصوات المُعذّبين في مراكز الحجز إلى أصوات متدربين على الأصوات الأوبرالية، ويحيل تفشي الأمراض الخبيثة بفعل مصانع تبعد مساكن أصحابها أميالاً من بروفة الجحيم اليومي، إلى شائعات مُغْرضة يرتبط مروّجوها بأجندات خارجية. وتظل تسأل: كم عدد صفحات تلك الأجندات التي تكاد لتكرارها تقنعنا بأنها تكاد تكون بضخامة كتب الحساب يوم الدّين!

مثل ذلك الكذب الذي لم يكتفِ أصحابه بتسويقه وترويجه داخل المحيط؛ ليبهروا العالم بتلك الموهبة الفذة التي من فرْط سحرها نكاد نصدّق أن العالم كل العالم وجد كي يمارس أولئك كذبهم الرخيص والمستهجن والغبي بامتياز في الوقت نفسه!

***

نعلم أن بروز الصراع الطائفي في المنطقة ليس جديداً وهو ليس مقتصراً على عالم عربي أو إسلامي. يكاد يكون سِمَة كونية؛ في ظل «أنظمة» تعاني من مُشْكل في تركيبتها وسيرة وصولها والتراكمات التي إما ورثتها؛ وإما فشلت في تجاوزها ووضع الحلول الناجعة لها. في دولنا تحديداً يراد للصراع والاصطدام الطائفي أن يكون ورقة الحل الأخيرة! حل ماذا؟ حل المأزق الذي تعاني منه «منظومات» قامت على الاستحواذ على كل أمر وشيء. أعني ذلك بتفاصيل مملّة ومخزية في الوقت نفسه لا مجال لذكرها هنا.

لم نرَ ذلك الصراع والاصطدام في ذروة لياقته وشهوته؛ ولم نرَ الدفع به من قبل تلك «المنظومات» بهذا الجَلَد الذي نشهد إلا مع التحولات التي شهدها العالم العربي قبل أكثر من عامين؛ على رغم أن تلك الورقة ليس من السهل التفاؤل بنجاعة استغلالها وضمان تحقيقها للخلاص من الوُرَط التي وجدت تلك «المنظومات» نفسها محاصرة ومكشوفة ومُعرّاة أمامها؛ وخصوصاً مع حَرَج ورداءة سجلّها الحقوقي ونهبها المستمر للثروات، واعتمادها في تسيير استعباد البشر لمن لا يملك أدنى احترام لقيمة البشر.

***

أعود إلى رسالة المفكّر علي شريعتي التي بعث بها إلى الشيخ علي حجتي كرماني مترجم «بحث حول الولاية» في ردّه على نقد نظرية الإمامة عند المرجع والمفكّر الإسلامي العملاق الشهيد محمد باقر الصدر؛ فأكتشف الفارق الذي ينتاب بيئة الفكر والاشتغال عليه. بيئة الترصّد والتسفيه والإلغاء وقلة الأدب بطبيعة الحال! الأولى بيئة تحترم من تختلف معه وتجلّه وتقدّر جهوده وسبْقه وتناولاته المبكّرة وتأسيسه الذي تم البناء عليه، وتناقش وتردّ وتدحض بما تراه وتوصّلت إليه بكل اتزان واحترام بالشواهد والأدلة التي وقفتْ عليها. الثانية لا تحتاج إلى قراءة ما تريد فحْصه ودحْضه وتسفيهه ولو نكاية وبُغْضاً ومناوأة. تنطلق من الجهل والعمى، وتتوصّل إلى ما يؤكدهما!

تلك مأساة حقيقية؛ ليس في البيئة الواحدة واللون والطيْف الواحد؛ بل تكاد تكون سمة اختلاف لأقوام من المفترض أن يجمعهم دِين واحد أكّد فيما أكّد في نصوص القرآن شهادة لنبيّه: «وإنك لعلى خُلُق عظيم» (القلم، 4)؛ ليأتي الترصّد والتسفيه والإلغاء وسوء الخُلُق شهادة على الذين يدّعون انتماءهم لذلك النبي العظيم!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3922 - الأحد 02 يونيو 2013م الموافق 23 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 11:45 ص

      منذ متى

      اليس الكذب والتقيه عنوان بارز .. هل كان الكذب موجود قبل الثواره الصفويه .. ولكن .. اما انه موجود ويتحين الفرصه او ان الثواره الصفويه جائت به عابرا للقارات

    • زائر 15 زائر 14 | 1:58 م

      الاستاد جعفر الجمري المميز

      تحياتي لك ان دائم اقرا مقالاتك ولكن مشكلتي انك تكتب بالرمزية ولكن في الصميم بمعني استعارة مكنية والدي يتعمق في مقالاتك يعرف معني الكتابة الصحفية فقط اسمحي لي اخ جعفر ان مشكلة الوطن العربي هي مشكلة قومية عندما كان القوميون في الحكم لم نسمع شيعة وسنة الافي الكتب لان الهوية وطنية والمواطنة اما الان فالاسلام السياسي هو من صنع هدة التفرقة من بين الاثنين والحل هو قيادة الوطن العربي تحت مظلة القومية العربية ورحم اللة جمال عبد الناصر وصدام حسين

    • زائر 11 | 4:45 ص

      ههههههههههههه

      مقال جميل وعنوانه اجمل شكرا لكم شكرا لكم.

    • زائر 10 | 3:40 ص

      لا علم لنا وما أوتينا من العلم إلا قليل

      يقولون يعلمون ولا يعلمون ونعلم ولا نعلم أن الصراع الطائفي والطبقي ما جاء به الاسلام بينما الناس صارت طوائف وتطوفنت وصارت الامة أمم. والله قال أمم أمثالكم من الطيور والدواب والنعام طير بس ما يطير مثل الدجاجه. وليش البشر صاروم مثل أي من الامم السابقة أو اللاحقة والماحقه؟

    • زائر 9 | 2:36 ص

      تعلمنا نص ونصف لكن بعد

      ما في ضما نات بس في ضمان جودة التعليم وما ضمنوه فخربت الديره وإتخصص التعليم وصار تعليمنا في خبر كان. ويمكن مثل ما يقولون خربي ومربي لا يدرى ما وللكن، لذا نحتاج الى ضمان جودة الجودة وضمان حقوق الانسان وضمان جودة العمل بضمير وجودة البيع والشراء علشان ما يصير غش بالدعاية والاعلان وضمان جودة الصلاة في المساجد يجب التحقق من أنها قبلت أو لم يتقبلها الله، لان الي يصلي صلاته تنهاه عن الفحشاء والمنكر.. القتل والفتنه أشد او الزنا أشد.. لا ندري؟ كم ضمان من الضمانات بعد نحتاج؟ اليس كذلك؟

    • زائر 8 | 2:28 ص

      يا سلام مذكرات وتذاكر سفر وتذكير ..

      من الوثائق عن جزء من تاريخ البحرين ومن منشورات مشهورات منها مذكرات بل غريف ترجمها د. سعيد الشهابي جزاه الله خير الجزاء.وغيره بعد سوو مثله، لكن عمله ليش ما حد قراها وتابع عمله؟؟. مو الرجال متغرب وهاد البحرين ليش؟ أكيد واحد بيقول قاصين عليه أو مكذيبن عليه. مو عدل؟

    • زائر 7 | 2:16 ص

      قل الحق ولو على نفسك ولا تكذب فحبل الكذب قصير

      يقال كذب المنجمون وإن صدقوا بينما لا يقال كذب المؤرخون متى ما جاء واحد وحرف تاريخ ميلاده وخلاه معظم وجلال الله ليس هنا موضع نقاش. فتاريخ البحرين مثالا لعبوا بحسبته وجمعه وطرحه. وطرحوا (شالوا يعني) منه الذي لا يعجبهم وخلوا شويه للزينه بس الباقي مثل ما سوو بعض المسلمين نبذوا الكتاب وراء ظهورهم. ليش ما يتعلمون يقرءون كتاب الله وتاريخ البحرين فيه مشاهد واجد تدل على العبث ليس بسبب إجيابت العتوب وتسميتهم تغيرت بعد، لكن تجار يهود عند ما وصلوا مكتشفين لهذه الجزيره كما كتب بل غرييف في مذكراته.

    • زائر 5 | 12:14 ص

      كلام في الصميم اصبة الهدف{جعفرالخابوري}

      شكرلكم‎ ‎

    • زائر 4 | 12:13 ص

      صدقت بكل كلمة

      نسو يوم الحساب
      وانشغلو في عمل الفتن
      واتخذو من الفتن سلاح يحميهم ويساعدهم على فسادهم بهذي الارض
      حسبي الله ونعم الوكيل
      حسبي الله ونعم الوكيل
      حسبي الله ونعم الوكيل

    • زائر 3 | 11:25 م

      شكرا ،، مقال رائع

      أحيانا يأتيك شعور كيف ان الله خلق هؤلاء الذئاب (استغفر الله)

    • زائر 1 | 10:13 م

      استراتيجية الكذب بصوت عال و متواصل لألا تدع للاخر فرصة للتفكير

      استراتيجية قائمة على منع الاخر من التوقف للحظة للتفكير و تعتمد على اسلوب الكذب المتواصل الصام للآذان الا ان يسلم الاخر مرهقا بفكرتك

اقرأ ايضاً