لقد أصبح أكثر من واضح أن التقشف يشجّع الأسواق الربوية البحتة وأولئك الذين يقفون وراءها.
كما أن التقشف يطمس الدول وشعوبها، لا فقط في دول جنوب أوروبا المسماة بـ «الهامشية». انظر إلى هولندا وفرنسا وألمانيا. وكان لابد أن تصل الأزمة إلى ألمانيا أيضاً كما تنبأ العديد من الاقتصاديين بمن فيهم الحائزان على جائزة نوبل للاقتصاد جوزيف ستيغليتز، وبول كروغمان.
وهكذا تعاني ألمانيا حالياً بسبب سياسة التقشف التي قلصت العديد من أسواقها في الدول الأوروبية، وهي التي تمثل 50 في المئة من صادراتها. وإذا تم الاستمرار في التقشف، فستدخل ألمانيا نفسها حالة من الركود.
لقد أدرك الرأي العام الأوروبي ضرورة وإلحاح تغيير السياسة الحالية والطبقة السياسية الحالية التي برهنت عدم كفاءتها.
فالواقع، هو أن الأحزاب الحاكمة الحالية في دول الاتحاد الأوروبي هي في معظمها محافظة متشددة وغير قادرة على استيعاب هذا الوضع الحرج. والواقع أيضاً هو أن الأطراف التي بنت الاتحاد الأوروبي - الاشتراكيون، الاشتراكيون الديمقراطيون، العماليون، والديمقراطيون المسيحيون - لم تعد تمارس السلطة الآن.
الاستثناءات الوحيدة فرنسا وإيطاليا الآن؛ إذ أعيد انتخاب الرئيس جورجيو نابوليتانو على رغم عمره وحيث يترأس أنريكو ليتا الحكومة الإيطالية الجديدة. وأعلن كل من ليتا والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند صراحة معارضتهما للتقشف وعزمهما استعادة دور الدولة في السيطرة على الأسواق، وليس العكس.
والآن نواجه معضلة واضحة: إما محاربة البطالة وانتشار الفقر والركود دفاعاً عن دولة الرفاهية بمعناها الأوسع، أو سقوط الإتحاد الأوروبي في الهاوية إذا انتظرنا فترة طويلة، وهذا سيكون مأسوياً لا بالنسبة إلى الولايات المتحدة الحليفة فقط، ولكن للعديد من دول العالم التي ستعاني أيضاً كالصين، وروسيا، واليابان، والبرازيل، والهند، والمكسيك، وهلم جرا.
يحدوني الأمل في أن هذا لن يحدث. فالعالم بالتأكيد لا يرغب في اختفاء الاتحاد الأوروبي، وهو المشروع السياسي الأكثر ابتكاراً والذي أتى بالكثير من الفوائد لشعوب دوله.
انهيار الإتحاد الأوروبي يمكن أن يفتح الباب أمام صراع عالمي، وسيمثل زواله انحداراً للحضارة لا يمكن قبوله، ومن شأنه أن يعود بنا أكثر من قرن للوراء. ليسُدْ إذن الحس السليم والشجاعة.
ماريو سواريس
وكالة «إنتر بريس سيرفس»
العدد 3922 - الأحد 02 يونيو 2013م الموافق 23 رجب 1434هـ