في تعليقنا على نصوص قانون العمل الجديد رقم (36) لسنة 2012 وقفنا في الحلقات الماضية على بعضٍ من نصوص هذا القانون ورأينا ما حملته تلك النصوص من أحكام مجحفة بحق العمال، فضلاً عن العيوب المتنوعة في الصياغة والتنظيم وغيرها التي لامست هذا القانون.
وفي هذه الحلقة (قبل الأخيرة)، وعلى خلاف العادة، سنتناول بعض النصوص التي استحدثها هذا القانون، حسبها البعض على أنها امتيازات حسنة لصالح العمال والعاملات التي هي في الأصل لا تتعدى عدد أصابع اليد، لنرى هل هي حسنةٌ بالفعل، وهل هي لصالح العامل الوطني، أم هي غير ذلك؟ وذلك فيما يلي:
أولاً: من حسنات هذا القانون، التي سبق أن أشرنا إليها في حلقة سابقة، أنه أغدق على المرأة العاملة في العطاء بأن منحها إجازة للوضع مدتها ستون يوماً مدفوعة الأجر بدلاً من خمسة وأربعين يوماً طبقاً للمادة رقم (32)، كما منحها إجازةً خاصةً لرعاية طفلها الذي لم يتجاوز ست سنوات بحد أقصى ستة أشهر ولثلاث مرات طوال مدة خدمتها طبقاً للمادة رقم (34)، كما منحها أيضاً إجازة شهر مدفوعة الأجر إذا توفي زوجها، وإجازة مدتها ثلاثة أشهر وعشرة أيام أخرى متصلة إكمالاً للعدة طبقاً للمادة (63).
وقد قلنا من قبل، ونؤكد على ذلك ثانية، أن هذا العطاء هو في ظاهرة منفعة حسنة إلاَّ أننا نخشى أن ينعكس ذلك على النساء العاملات بالمضرة، لِما قد ينشأ عنه من تداعيات وآثار سلبية تتمثل في الحد من توظيف النساء مستقبلاً. إذ نتوقع أن يغض أصحاب الأعمال أنظارهم عن توظيف عاملات جدد، أو أن يقوموا بالتخلص من العاملات لديهم بأسلوب أو بآخر طالما بات توظيفهن مرهقاً لهم لتعدد الإجازات الممنوحة لهن - كما رأينا - بما سيؤثر ذلك حتماً على سير العمل ويسبب اضطراباً فيه، فضلاً عن التكاليف المادية التي سترهق ميزانية أرباب العمل. لذلك لا نرى من هذا العطاء المغدق (أو هذه الحسنة) إلاّ مضرة أو سوأة غير ظاهرة.
ثانياً: ومن حسنات هذا القانون أن جاء في الفقرة (ج) من المادة (111) بالنص الآتي: «إذا أنهى صاحب العمل عقد العمل المحدد المدة بدون سبب أو لسبب غير مشروع التزم بتعويض العامل بما يعادل أجر المدة المتبقية من العقد...».
فهذا النص في ظاهره خير للعامل المُتعاقِد مع صاحب العمل بعقد محدد المدة، من حيث أنه يضمن بقاءه في العمل طيلة مدة العقد أو أن يحصل على تعويض يعادل باقي مدة العقد في حالة فصله قبل انتهاء مدته بدون مبرر، بخلاف لو أن عقده غير محدد المدة فيكون معرضاً للفصل خلال سريانه بتعويض ضئيل لا يتعدى أجر يومين عن كل شهر من الخدمة في حالة فصله تعسفياً كما رأينا ذلك في الحلقة قبل السابقة.
بيد أننا ننظر إلى هذا النص رغم حُسنِه وخيره الظاهر ليس إلاّ مطباً لتحفيز العامل الوطني بأن يختار العقد المحدد المدة بدلاً من العقد غير محدد المدة. ومن المعروف أن عقود العمل محددة المدة لا تضمن استقرار العمال في العمل إلاّ في حدود المدة المحددة فيها، وهذا ما لا يتفق مع مصالح العمال الوطنين ولا مع واجب الدولة في ضمان تشغيل العامل الوطني واستقراره في عمله، بخلاف العامل الأجنبي. لهذا لا نرى من النص السابق «الحَسَن» في ظاهرِه إلاّ سُماً حِلو المذاق.
ثالثاً: ومن حسنات هذا القانون أيضاً أنْ نص في المادة رقم (107) بعدم حرمان العامل من مكافأة الخدمة حتى في حالة فصله من العمل لارتكابه أية جريمة أو أي من الأخطاء الجسيمة التي أشارت إليها هذه المادة، بخلاف قانون العمل القديم لسنة 1976 الذي نص على حرمان العامل من مكافأة الخدمة بعد فصله من العمل عندما يرتكب جرماً أو خطأ جسيماً يماثل الأخطاء الواردة في المادة السابقة.
وفي نفس هذا المضمار حيث نص في المادة رقم (116) على حق العامل في مكافأة الخدمة كاملة عن مدة خدمته مهما قصرت في حالة استقالته من العمل بمحض إرادته، بخلاف قانون العمل القديم لسنة 1976 الذي نص على عدم استحقاق العامل لكامل المكافأة في حالة استقالته ما لم تبلغ مدة خدمته خمس سنوات كاملة. وهذا الفارق بين القانونين في شأن مكافأة الخدمة على نحو ما تقدم يدعونا للتأمل وللتساؤل؛ هل أن قانون العمل الجديد أضاف حَسَنةً يوجب الإقرار بها.
فمن المقرر، وبناءً على ما نصّ عليه قانون العمل القديم، أن حرمان العامل من المكافأة بعد فصله من العمل لارتكابه أخطاء جسيمة أو عملاً منافياً للآداب والأخلاق ما هو إلاّ جزاء تأديبي، فذلك هو عين العدالة والحق، فلا يُعقل أن يقوم العامل بالاعتداء على صاحب العمل بالضرب مثلاً أو بسرقته أو بكشف أسراره وإصابته بأضرار بالغة فيقوم من ثم صاحب العمل (المعتدى عليه) بعد فصل هذا العامل (المعتدي) بمكافأته.
وحتى إن سلّمنا جدلاً بأن قانون العمل الجديد صائبٌ في حكمه، فإن مكافأة الخدمة هذه لا يستفيد منها سوى العامل العربي والأجنبي دون العامل الوطني باعتبار أن هذا الأخير يشمله قانون التأمين الاجتماعي في فرع الضمان الاجتماعي. بمعنى أن هذه الحسنة (إن جاز وصفها بذلك) مخصصة للعامل غير الوطني فقط، لنستنتج من ذلك أن هذه الحسنة والحسنات السابقة التي أتى بها قانون العمل الجديد هي لصالح العامل غير الوطني، في حين أن عورات ومساوئ هذا القانون انكوى بها العامل الوطني أكثر من غيره طبقاً لما أثبتنا ذلك في الحلقات الماضية، ما يثبت أن هذا القانون لا تهمه مصلحة العامل الوطني.
ولنا لقاء في الحلقة القادمة (والأخيرة) نكمل فيها عورات ومساوئ هذا القانون التي سبق الوقوف عليها، وذلك في باقةٍ جديدة موجزة لنثبت مجدداً أنه أسوأ قانون تشهده مملكة البحرين.
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 3917 - الثلثاء 28 مايو 2013م الموافق 18 رجب 1434هـ
إعادة نشر الحلقات
نرجو التكرم بإعادة نشر الحلقات الخاصة بقانون العمل للسيد محسن الورقاء وشكرا