قضيت بضعة أيام في مصر وكنت خلالها حريصاً على قراءة معظم الصحف المصرية وخصوصاً تلك التي لا علاقة لها بالدولة وهي كثيرة، لأن النظام الجديد لم يضع أية معوقات على من يرغب في إنشاء صحيفة، ولعل هذه التسهيلات من محاسن النظام التي عرفها مالكو الصحف، لكن بعضهم لا يريد الاعتراف بالحريات التي أطلقها النظام الجديد.
لاحظت أن بعض هذه الصحف تشن حرباً على دولة قطر، فهي تفتعلها دون أن يكون لديها أي حقيقة تعتمد عليها في هذه الحملة، فلجأت إلى جملة من الأكاذيب التي يصعب تصديقها على شبه العقلاء فكيف بالعقلاء. ولست أدري هل يجهل هؤلاء الكتاب أنهم يخاطبون شعباً عاقلاً تمازج مع الثقافة منذ مئات السنين! وهل يجهل هؤلاء أنهم بتلك الأكاذيب إنما يسيئون للمصريين قبل أن يسيئوا لغيرهم؟ فكيف يتوقعون أن مصرياً عاقلاً ليس بصاحب هوى يمكنه أن يصدق أكاذيبهم؟
قرأت أن قطر تريد شراء إقليم قناة السويس، وأنها أيضاً تريد شراء مثلث ماسبيرو، وأنها تريد الهيمنة على مصر! ولست أدري كيف يمكن لقطر أن تشتري إقليماً مثل قناة السويس، وماذا يمكنها أن تفعل به بعد الشراء! هل ستنقله إلى قطر أم ستجعل القطريين يتخذونه سكناً؟ ومثل ذلك مثلث ماسبيرو الذي يحوي أهم قطاعات الإعلام في مصر، فهل قطر ستستخدم إذاعة وتلفزيون مصر لصالحها؟ وهل هي بحاجة لهما أصلاً؟ ولأن أولئك اخترعوا هذه الأكاذيب ثم صدّقوها فإنهم بنوا عليها أن قطر بعد أن يتم لها كل ذلك فإنها سوف تسيطر على مصر! لو كان أولئك يحترمون مواطنيهم - ولا أقول يحترمون أنفسهم - لخجلوا من مثل هذه الأكاذيب، ولعلهم نسوا أن الانجليز والفرنسيين حاولوا السيطرة على مصر فلم يفلحوا فهل تستطيع قطر فعل ذلك؟ هذا على افتراض أنها تريده وهو ما لا يمكن تصديقه بأي حال من الأحوال، لكنها الأكاذيب والأهواء الفاسدة!
مروّجو هذه الأكاذيب هم من الفلول، ولهم أهداف مشينة لم تعد تخفى على أحد، ولهذا قال بعضهم محاولاً ادعاء الحقيقة: إن قطر تساعد الاخوان المسلمين فقط، وان هذه المساعدات موجّهة ضد مصالح الأحزاب الأخرى! ومرةً أخرى يبدو الكذب واضحاً في هذه الأقوال المتهافتة، فقطر وقفت مع الثورة المصرية منذ بدايتها وقبل أن يبرز للإخوان دور فيها، وكانت قناة «الجزيرة» تقوم بدور فاعل لخدمة الثورة أكثر من كل القنوات الإعلامية الأخرى، فهل كان لهذه القناة علمٌ بأن الاخوان سيشاركون في الثورة مستقبلاً وأنهم سيخوضون الانتخابات ويفوزون فيها؟
قطر عندما تريد الاستثمار في مصر فهي لا تفعل ذلك من أجل فريق واحد من المصريين، لأن كل المصريين سيستفيدون من هذه الاستثمارات شأن أي استثمار تفعله أي دولة أخرى، فهل يجهل أولئك القوم هذه الحقيقة أم يتجاهلونها؟
وكما هو معلوم فإن قطر تساعد مصر بعدة مليارات من الدولارات، وهي لا تقدّمها للاخوان المسلمين وحدهم وإنّما للشعب المصري كله، لأنه هو من سيستفيد منها في نهاية المطاف، فهل يعد هذا من وسائل الهيمنة أم من وسائل المساعدة التي تحتسب لقطر لأنها فعلت ما لم يفعله العرب الآخرون، بل ولا صندوق النقد الدولي الذي لايزال يماطل في إقراض مصر أربعة مليارات دولار وبشروط تضرّ بفقراء مصر.
مجموعة من الفلول ومن وقف معهم لم يقيموا وزناً لمصالح مصر، وإنّما جعلوا مصالحهم هي الهدف الأول والأخير، ظنّوا أن مساعدات قطر ستدعم الرئيس المصري، ولأنهم لا يريدون ذلك وجّهوا سهامهم الحادة نحو قطر لكي تتوقف عن هذه المساعدات وليذهب الشعب المصري إلى الجحيم، فهو آخر اهتماماتهم. ولست أدري هل يجهل هؤلاء أن المصريين وغيرهم يعلمون أن هناك جهات داخلية وأخرى خارجية تنفق عليهم بقصد الإضرار بمصالح مصر؟ ومن اللافت للنظر أننا لم نسمع من هؤلاء نقداً للاتفاقية التي عقدت في عهد الرئيس المخلوع مع حكومة دبي والتي تم بموجبها منح دبي حق إدارة ميناء السخنة وشواطئها! شخصياً لا اعترض على هذه الاتفاقية وإنما أشير إلى التناقض الصارخ في مواقف بعض المعارضة، فبينما صمتوا أيام مبارك على واقع ملموس رفعوا عقيرتهم بالصراخ على وهم ليس له وجود!
ومرةً أخرى لا أرى ما يمنع أن تستثمر قطر أو غيرها، في قناة السويس أو غيرها مادامت سيادة مصر ستبقى كاملةً على أراضيها، فكل دولة تحرص على جلب الاستثمارات الخارجية وتقدّم لها كل التسهيلات التي تجعلها تعمل على أراضيها.
وأقول لأولئك الذين يدّعون أن قطر إنّما تساعد الاخوان وحدهم: سبق أن وقفت قطر مع كل الثورات العربية، كما أنها وقفت إلى جانب أهالي دارفور وساعدتهم مالياً، كما ساعدت أهالي غزة بعد العدوان الصهيوني الوحشي عليها، كما ساعدت جنوب لبنان بعد الحرب عام 2006 فهل كل أولئك من الاخوان؟
من حق قطر أن تعمل لمصلحتها وفي كل اتجاه، ومن حقها أن تبحث عن دورٍ أو أدوار سياسية لها في المنطقة، فالدول النشطة تفعل ذلك، وكم كنت أتمنى أن يكون لكل دولة خليجية مواقف متميزة في الأحداث المتتالية التي تدور من حولنا وآخرها الحرب الطائفية الشرسة على الشعب السوري، ولو أنهم فعلوا ذلك لخففوا بعض العبء عن قطر ولحمدتهم شعوبهم على هذا الفعل الجميل، ولكن البعض لا يريد أن يعمل ولا يريد لغيره أن يعمل، لكي لا ينكشف تقصيره، وهذا هو لبّ المشكلة.
والذي أراه أن على قطر أن تطمئن الآخرين على سلامة أفعالها، وهذا دور سفاراتها وإعلامها ومثقفيها، ولعلها تبدأ ذلك من مصر لتزيل الالتباس عمّن التبس عليهم الأمر فعلاً، أما من يتعمد إثارة تلك الأكاذيب فهؤلاء يعرفون زيف ما يقولون، فمهما سمعوا فلن تتغير مواقفهم، فالذي يقوده ظلام الهوى لا يمكنه الاستجابة لنور الحق.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 3917 - الثلثاء 28 مايو 2013م الموافق 18 رجب 1434هـ
قطر
عين العقل
هو الاخ قطري؟
يا أخي كبر عقلك...مافي دخان من غير نار
كلامك ما بيكون صحيح الا اذا كانت هذه الدولة جمعية خيرية