العدد 3915 - الأحد 26 مايو 2013م الموافق 16 رجب 1434هـ

لن ننتصرَ على الجبال لكننا سنُبصِر العالم من خلالها

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

علاقة الإنسان بالجبال كانت ولازالت علاقة تَحَدٍّ. وقد قال الله تعالى في سورة الإسراء «ولا تَمْشِ في الأَرضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرضَ وَلَن تَبْلُغَ الجِبالَ طُولاً». في أيامنا هذه، يَهوَى كثيرون تسلُّق الجبال. وعندما يصعدون على شواهِقِها، يغرسون عَلَماً فوق رؤوسها، كعلامة انتصارهم عليها.

لكن الحقيقة، أن ذلك ليس نَصراً ولا نصف نصرٍ حتى، فنحن لا نكون على ظهور الجبال أو على قِممها إلاَّ كَذرَّات رمل بالكاد أن تُرَى بالعين أو المجهر حتى. وعندما يتَرَدَّى أحدنا من عليها خطأً، فإن خرمشات الجبل الصخرية، كفيلةٌ بأن تُحطِّم عظامنا وجماجمنا، وتجعلنا أثراً بعد عَيْن.

إذاً، ما هي نقطة الجذب التي بيننا وبين قِمَم الجبال؟ بتعبير آخر، ما هي العلاقة بيننا وبين الشواهِق أصلاً؟ الحقيقة، أن هذا التساؤل مهمٌ بذات المقدار الذي عليه جوابه. فعلاقة الإنسان بالتصاعد إلى الأعلى، ارتبطت بالأساس بعمليات الاستكشاف الأفقي، والتثبُّت من الحقائق.

فأصحاب الأثَر في الماضي، كان يستشرفون مسيرهم من خلال النجوم، وأيضاً عبر صعود التلال أو الجبال، لكشف امتداد الطريق ومدى كونه آمناً. ومُمتهِنو الحروب، كانوا يتموضعون على الجبال لأعمال القنص ورصد العدو (أحُدْ مثالاً). في المحصلة، فإن الشواهِق والمناطق المتعالية، كانت ولازالت مكاناً أصيلاً ومُعتَمَداً لتعزيز اليقينيات الرؤيويَّة، كونها أشد الحواس يقيناً.

هدف القول هذا مَرَدُّه ما نحن عليه من حال لا يسُر، والسبب، أننا استَسْلَكنا عكس ما يجب علينا أن نفعله. بمعنى، أننا ابتعدنا في كشف واقعنا ومستقبلنا وما يُداهمنا من أخطار عن اللجوء (مجازاً) إلى الشواهِق، لننتهج السُّفالة بديلاً عنها. وبالمناسبة، فإن السُّفالة أو السُّفْل لا يعني بالضرورة تدنِّي الأخلاق بقَدر ما هو نقيضُ العُلْوِ والعُلُوِّ كما جاء في لسان العرب لابن منظور.

يجب أن نعلم، أنه وكلما ارتفعت الجُدُر من أمامنا، حُجِبَت الرؤية عنا. وكلما نكَّسنا رؤوسنا إلى الأرض، لم نَجِد إلاَّ أقدامنا. والعكس صحيح. فكلما رفعنا الرؤوس، واشرأبَّت رقابنا إلى الأعلى، وقفزنا على تلك الجُدُر، ظَهَرَت أمامنا الأشياء بمزيد من الوضوح والجلاء، وباتت أكثر يقيناً وثباتاً، والتي من أهمها الاعتقاد واليقين من أننا بشرٌ قبل أي انتماء ديني أو قومي أو آيدلوجي.

وقد بيَّنت لنا تجارب الحياة، أن الانغماس في الأقوال والأفعال، والرَّد وردّ الرَّد، والتحيُّن للدحض وتسجيل الهزائم، تجعلنا أبعد ما نكون عن أن نرى الأشياء بمزيد من التجرُّد. فالقول والفعل، والتناول المتناوب والمتوالي عليهما، عادةً ما يأخذ أحجاماً أكبر من لحظة انطلاقته الأولى، الأمر الذي يجعلنا لا نقدر أن نُبعِدَ عنا التأثيرات التي جَرَت عليه منذ انعقاد نطفته حتى وصوله إلينا.

حتى نحن البشر، قد انتابتنا العديد من الإضافات والإحالات عبر الزمن، حتى صرنا نحمل معنا نوعاً آخر من الجينات الثقافية والدينية غير التي وُلِدنا عليها نحن وآباؤنا. ولو أننا رَجَعنا إلى أصولنا، فإننا سنرى المشتركات بيننا أكبر، كون العلاقة بين التاريخ والهوية الإنسانية علاقة عكسية، بمعنى أنه وكلما رجعنا إلى تاريخنا، زادت المشتركات الآدمية والثقافية بيننا وهنا العقدة.

عندما أرجع إلى بعض الأنساب، أُصَابُ بالدهشة فعلاً. أرى شخصاً ما، وهو يعيش في حاضرنا، وقد امتدَّ نسبه إلى عصور الألفية الثانية، بسياق نَسَبِي مكانه اليمن، ثم في الألفية الأولى بسياق نَسَبِي مكانه مصر، ثم لسنين أدنى من ذلك، بسياق نَسَبِي ثالث مكانه الجزيرة العربية، ثم أرى أن نسبه يصل إلى دمِ هودٍ عليه السلام، حينها أتساءل: كم هي المشتركات التي تجمعه أصلاً مع كَمٍّ لا يُحصى من البشر، ينتمون إلى ذات الدم والثقافة والدين، والعرق ذات الجذور الواحدة؟

هذه المشتركات الأعمّ الغائبة، هي التي جعلتنا نحس أننا غرباء عن بعضنا، وربما خصوماً أيضاً، وبالتالي لا هدف لنا إلاَّ العيش في حالة احتراب ومناكفات دائمة. ولو أن كلَّ فردٍ منا تخيَّل نفسه أنه وقبل أن يُصبح بهذه الهيئة (يهودياً، مسيحياً، مسلماً، صابئياً، عربياً، أعجمياً) هو إنسانٌ له من الآدمية ما يتشارك معه فيها ملايين البشر، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من حال سيء.

والسبب، أننا لم نعد قادرين على رؤية الأمور من الأعلى كي تتضح لنا الأشياء، وتنفك من أمامنا الطلاسم والعقد، بل إننا تكرَّسنا شيئاً فشيئاً في اللاعلو والقرب بصرياً وأحاسيساً من النِّدِّية السلبية. والجميع يعرف، أنه وعندما تتقرَّب العَيْن من الشيء بشكل حَدِّي ومباشر، فإنها تستطيع أن تراه كبيراً لكنه بلا وضوح ولا ملامح، بعكس النظر عن بُعد، حيث تصغر الأشياء، لكنها تصبح أكثر وضوحاً، لأنك تكتشفها بهيئتها وحركتها ومجالها الجغرافي أيضاً.

اليوم، بات المسلمُ يقتل مسلماً لدواعي غير مفهومة، بالرغم من أنهما مسلمان، يقومان بذات الأفعال التعبُّدية. السُّني يُصلي والشيعي كذلك. السُّني يصوم والشيعي كذلك. السُّني يحج والشيعي كذلك. كلاهما يؤمنان برب واحد، وبرسول واحد، وبكتاب واحد تراه في مساجد الفريقيْن، هو هو لا غير! إذاً أين يكمن الخلاف بينهما؟ وعلى ماذا يختلفون أصلاً؟ وقِسْ على ذلك بقية الأديان مع بعضها بالمثل.

لقد وَصَلَ الحال، أن لا يرَوا أنفسهم كمسلمين، ولا كبشر. هم يتناظرون كوحوش كاسرة، تتمنى أن تحين الفرصة لكي تنقضّ على بعضها. هذا التعقيد مُربكٌ وخطير، ومن شأنه أن يستمر. فكثرة الحديث والفعل وردة الفعل، وتراكمه، مع عدم القدرة على النظر إلى الأعلى كفيلٌ بأن يجعل الأشياء أكثر غموضاً والعداوة أكثر استحكاماً. وربما أضافت السياسة الملعونة لتجعل من ذلك الأمر أكثر فاعلية، عبر استخدام الدين، كوسيلة استثمار مدفوعة الأجر سلفاً للصراع.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3915 - الأحد 26 مايو 2013م الموافق 16 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 3:46 ص

      تجارة + سياسة + إسم دين = تخدير شعوب العالم الثالث

      تسمي التجارة والسياسة والدين بالمخدرات للشعوب. الدين عند الله الاسلام، بينما الناس إبتدعت أديان من وين ما دري. فمقولة الدين أفيون الشعوب ليس لأنه مخدرهم! متى ما رجعنا بكيف سيطر الكهنة في مصر على الفرعون وعلى شعب مصر نلاحظ أنهم باسم الدين لكن ليس الدين وإنما كما حالة الأصنام عند قريش. يعني توجد آلهه والناس تعبدها.
      في بل الحريه العملة الورقيه مكتوب عليها أنهم يعبدون الدولار لأن عندهم حرية ودمقراطيه حرة وتجاره حره .. بلد حر حتى من الأخلاق والقيم متبريه منهم يعني بيتنازلون عن قلنين بترول وشوية غاز

    • زائر 5 | 3:38 ص

      فكره جهنميه أليس كذلك !

      ليس جديد أن النصارى ناضلوا وناصروا اليهود أما اليوم فمن المعتقدات الجديده أن النصره بالتعاون والفزعه مو مع بوذا ولا صنم الحريه لكن تعاون مع من سلف هاود وتهاود وأهتدوا الى سلفة بنكيه من اليهود بالتجارة والتعاملات المصارف الاسلاميه حسب التنصنيفات التي يصنفونا. فالاسلام لم يدعو الى البنوك ينما دعا الى العمل الصالح. المال لمبيت المال م الاعمال فلا تستتر تحت تأثير مخدرات التجارة العالميه الحره ومشاريع الاستثمار لا تبدو واضحه أنها أفكار شيطانيه لخصخصة الاراضي البحرينيه وبيعها للمستثمرين بمبررات إسلا

    • زائر 4 | 3:03 ص

      اخ محمد هذا الذي كتبت ( استخدام الدين، كوسيلة استثمار مدفوعة الأجر سلفاً للصراع )

      هذا ينطبق على النظام الايراني تححل و تشتري اجهزة تشويش الانترنت من مكان قالت حرام واصبح حلال تتجسس على الرجل وزوجة هم في الاقامة الجبريه وهم في غرفة نومهم ماذا يفعلون وتصنع اجهزة التجسس و ان الله حرمها و تقمع في السجون حتى الموت هل اخي اخترة لنفسك تكن حر مثل الاخ البطل رئيس التحرير منصور الجمري اذا كتب لا يهمه احد حتى لا يهمه الحزبيه والميول هل كتب عمود عن سجن كهريزك هل ذكرة الشاب المقتول في سجن كهريزك الايرانية ستار بهشتي هل كتب عن الاقامة الجبرية لكثير من مراجع الدين هل ذكرة احدهم صفع على وجه

    • زائر 8 زائر 4 | 4:18 ص

      شتبي تقول

      أبغي أفهم شنو تبي تقول ، والله ما فهمت شيئ من حجيك.

    • زائر 9 زائر 4 | 4:57 ص

      عادل إمام يجيبك

      ذكرني كلامك بكلام عادل إمام لما قال: رب قوم ذهبوا إلى قوم ولكن القوم الأولانيين لما ذهبوا للقوم التانيين ما الؤوهمشي خذوا تاكسي ورجعوا تاني!!!

    • زائر 10 زائر 4 | 7:03 ص

      مضيع نيرتك يالنسيب

      مضيع نيرتك يالنسيب

    • زائر 3 | 1:10 ص

      لدينا الكثير من القرآن والسنة والاثر في العلاقات الانسانية ولكن من يحدد الخلل فعلي سبيل المثال لا الحصر..

      قال تعالى : { يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } ، كما ان النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة فقال : إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها ، فالناس رجلان : بر تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله،وكتب ألامام علي كرم الله وجهه الي الاشتر النخعي يقول ( وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا تغتنم أَكْلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، وإنما نظير لك في الخَلق)

    • زائر 2 | 12:55 ص

      لم تتدخل لوحدها وإنما أجبروها

      أضافت السياسة الملعونة لتجعل من ذلك الأمر أكثر فاعلية، عبر استخدام الدين، كوسيلة استثمار مدفوعة الأجر سلفاً للصراع.
      ليس للسياسة حق التدخل في سلوكنا وهي باقية في عرينها لو لم تجد الأيادي التي سخرتها لتكون وسيلة أخرى للصراع بين بني البشر السياسة موجودة منذ الأزل ولم تتدخل في حياتنا لوحدها،كان الأصدقاء يتنذرون بها عندما تتم الايحاءات الجنسية بينهم فيقول أحدهم لا تتدخل في السياسة إنما في الوقت الحاضر عندما نقول لا تتدخل في السياسة فهناك معنى آخر، إذن إبحث عن من يستخدمها لتعرف المغزى من وراء كلامه.

    • زائر 1 | 11:31 م

      شكرا

      يعجبني أفقك وخيالك الواسع الذي تستطيع من خلاله ابتكار أفكار جديدة ومتميزة

اقرأ ايضاً