العدد 3914 - السبت 25 مايو 2013م الموافق 15 رجب 1434هـ

الطبيب الضرير داوود بن عمر الأنطاكي

وُلِد داوود بن عمر الأنطاكي - المُسمَّى بداوود بن عمر الضرير - في القرن العاشر الهجري بأنطاكيـة وأقام في القاهرة، وتوفي بمكة سنة 1008هـ.

وعلى رغم أن الأنطاكي كان ضريراً فإنه لُقِّب بالحكيم الماهر الفريد، والطبيب الحاذق الوحيد؛ حيث سافر كثيراً تعلم خلالها اللغة اليونانية وحفظ القرآن وقرأ المنطق والرياضيات وشيئاً من الطبيعيات وكتب الأقدمين من اليونانيين أمثال أبقراط وديسقوريدس وجالينوس وكتب ابن سيناء والرازي والزهراوي، وعُنِي بدراسة الطب العلاجي وتحضير الأدوية. وامتاز الأنطاكي بدراسة وسائل العلاج الطبي ووصف الدواء الصالح لكل داء، وقد بحث في العلوم الطبيعية وعلاقة الطب بها، وتعرض لما يتحكم في الأفراد من قوانين ومركبات، وما لها من أسماء ونفع وضرر.

ولم يغفل الأنطاكي عن أي عضو من أعضاء جسم الإنسان إلا وذكر الأمراض التي تصيبه وسبل الوقاية منها أو علاجها، ولعل أهم الكتب العديدة التي ألفها هي «تذكرة داوود الأنطاكي» و «مجمع المنافع البدنية المفيدة في الطب» و «الممكن في الطب»، والتي اعتمد فيها على المواد الطبيعية الموجودة في البيئة وسيلةً للعلاج، وحاول معرفة خصائص الأعشاب والأغذية الطبيعية ودورها في علاج الكثير من الأمراض، ولم يغفل الوقاية مؤمناً أنها خير من العلاج وأساس بناء الصحة الجيدة. ولأن الرياضة هي إحدى سبل الوقاية من الأمراض وبناء جسم قوي لم يفت على الأنطاكي هذا الأمر ذاكراً أن «الرياضيات نفعٌ للبدن فهي تقوي الأعصاب وتحسن الهضم وتنفس عن البدن البخارات الغليظة والفضلات». ولأن الرياضة تهيئ البدن لقبول الغذاء نصح بممارستها قبل الأكل «لكي تعمل على فتح شهية الإنسان للطعام».

وتطرق الأنطاكي إلى أهمية النظافة نوعاً من أنواع الوقاية، وكذلك السباحة والاستحمام وأنواعها وما لها وما عليها من شروط وضرورة الاستحمام عند خلو المعدة. كما حذر الأنطاكي من الأكل والشرب والنكاح في الحمام لأنه «يورث ظلمة البصر»، ونصح بالاستحمام بعد 4 ساعات من تناول الغذاء محذرا من شرب الماء البارد عقبه.

وسرد الأسس الصحية للتغذية السليمة قائلا: «من أراد البقاء فليبكر بالغذاء ولا يتمسَ في العشاء ولا يأكل على الامتلاء مع عدم الإكثار وعدم النوم مباشرة بعد العشاء. ومن اجتنب النتن والدخان والغبار ولم يأكل عند المنام ونقَّ الفضول في معتدلات الفصول كان حرياً بألا يطرق المرض إلا إذا حل الأجل. وينصح بعدم شرب الماء إلى حين الهضم. ومن لم يستطع الامتناع عن الماء أثناء الطعام فليأخذ القليل من الماء البارد مصاً». ولقد سرد الشيخ مشكلات السمنة وسبل الوقاية منها بما يتطابق تماماً مع العلم الحديث فذكر: «إن للضعف منافع: خفة الحركة وقلة العقم وسرعة الهضم والأمن من الموت المفاجئ وعلى السمين هجر الحلو واللحم وتكثير الحوامض والمشي والشرب على الريق وعلى المهزول عكس ذلك»، ثم تطرق إلى الهزال وقال إن «الأبدان المهزولة مستعدة لقبول الأمراض لتخلخلها». وأسهب في ذكر أثر الأمراض النفسية والوقاية منها، فعرّف الهم والغم وقال: «إن الهم هو إشغال النفس بما ستلقاه من مكروه والغم انقباضها بما مر كذلك, وكل يجمع الغريزة إلى القلب فيغلي الدم لسبب ذلك ويتفرق عنه البخار المفسد للحواس».

لم تكن مهاراته الطبيه هي صفاته الوحيدة بل امتاز بالفطنة والذكاء فيذكر أن شريف مكة دعاه إلى مجلسه وحاول إخفاء نفسه وقدم أحد الأشخاص لكي يتظاهر بأنه الشريف ولما سلم الشيخ على الرجل المدعي قال إنها ليد خسيسة وليس من آل البيت ولما وصل إلى الشريف وسلم عليه قبل يده وقال هذه يد الشريف.

وفي إحدى المرات دعاه الشريف للكشف على زوجته العليلة وطلب من إحدى الجواري مرافقته, فلما انتهى الشيخ من الكشف راجعا مع الجارية سأله الشريف عن حاله زوجته فأخبره عن التشخيص والعلاج إلا أنه قال: لاحظت شيئا على الجارية فقال الشريف ما هو؟ فقال: لقد صاحبتني الجارية وهي عذراء ورجعت بي إليك وهي ثيب فدعا الشريف الجارية وأعطاها الأمان فسألها وأجابت بنعم «فلما كنت خارجة من لدى الأميرة لاقاني رئيس الحرس وأجبرني على مضاجعته»، فلم يصدق الشريف فدعا رئيس الحرس وأعطاه الأمان وأكد رئيس الحرس ذلك.

البروفيسور فيصل عبداللطيف الناصر

رئيس قسم طب الأسرة والمجتمع بجامعة الخليج العربي

الأمين العام للجمعية الدولية لتاريخ الطب الإسلامي

العدد 3914 - السبت 25 مايو 2013م الموافق 15 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً