العدد 3914 - السبت 25 مايو 2013م الموافق 15 رجب 1434هـ

الصم.. بين تقبل الواقع وتحدي الظروف!

ليس جميع من يعيش خضم هذه الحياة متساوياً مع الآخر، فهناك الغني والفقير، وهناك السليم والمريض، كلٌّ يختلف عن الآخر. لحكمة من رب العباد نراه يبتلي بني البشر بابتلاءات يقيس فيها مدى صبرهم وقدرتهم على التحمّل والتغلب على ما كتب لهم.

فأمراض متعددة يُصَاب بها الإنسان منذ ولادته أو ربما بعد سنوات من الزمن، يصعب فيها العلاج أو يمر بمراحل طويلة حتى يتمكن من الشفاء، لكن لا أن يشعر أن المرض هو المتحكم فيه بل العكس من ذلك. فالكثير من الأمثلة أمامنا لمن تحدى ظروفه وشارك في المحافل والمناسبات وتغلب على الأصحاء من حوله، ولم يكن هناك عائقٌ أمامه في مواجهة صعوبات الحياة من حوله.

فئة ذوي الاحتياجات الخاصة هي أحد تلك الأمراض المزمنة، التي يكون التماثل للشفاء منها جدَّ نادرٍ وخصوصاً لمن أصيب بها بعد ولادته بسنوات من الزمن، كالصم والبكم ومتلازمة داون والمكفوفين ومرضى التوحد والتخلف العقلي. هؤلاء تمت تسميتهم بهذا الاسم لما لهم من احتياجات خاصة تختلف عن احتياجات باقي الأفراد في المجتمع، وتتمثل تلك الاحتياجات في إعداد البرامج والأجهزة وطريقة التعامل وغيرها.

نلقي الضوء الآن على إحدى هذه الفئات في استطلاع رأي وهم فئة الصم الذين التقيناهم في الملتقى الخليجي الرابع للصم المنعقد في مملكة البحرين شهر أبريل/ نيسان الماضي، نعرض فيه بعضاً من أحاسيسهم وتجاربهم ومدى تقبلهم لوضعهم في مجابهة ظروف الحياة.

لا يوجد ما يعوقني

منى أحمد المازمي من دولة الإمارات العربية المتحدة (موظفة في إحدى محاكم دبي)، تقول: «دُمِجت للعمل مع الأسوياء، وأمتلك ثقة كافية بالنفس وأتحدث مع الآخرين بلغة الإشارة دون خوف. وظيفتي في المحكمة هي مرشدة سياحية للصم في البلد، وأسعى دائماً للمشاركة في الدورات والورش ذات الصلة ولدي العديد من المقابلات التلفزيونية». أما عائدة الملا من دولة قطر فتشير: «لا أتذكر فترة إصابتي بالصم، لكنني لست انطوائية بل اجتماعية وأتواصل مع أهلي ومجتمعي، فإعاقتي لا تقف عائقاً أمامي. بدايةً كنتُ أرى في أعين من حولي استغرابهم لكنهم يتفاجأون بي بعدها ويبدأون بالتفاعل معي سواء السامعين منهم أو غير السامعين».

وتواصل الملا: «أنا فنانة في الرسم، ولدي العديد من المهارات في التصوير الضوئي، إلى جانب نشاطي في مجال الصم؛ إذ أشارك في العديد من المؤتمرات في دول الخليج العربي».

لا ألم بعد أمل

ومن سلطنة عمان أفاد رئيس لجنة الصم بجمعية المعوقين العمانية سلطان العالي: «أصبت بداء الصم منذ الولادة، كنت أذرف الدمع بدايةً لإحساسي بمدى اختلافي عن الآخرين في ظل غياب ثقافة التعامل معنا، فلم ألقَ الاهتمام سوى من أسرتي، وهذا وإن دل فإنما يدل على غياب الوعي في كيفية التعامل مع هذه الفئة».

ويستدرك العالي: «لكن الحمدلله فأنا حالي كحال أفراد ذوي الاحتياجات الخاصة أمشي وآكل وأشرب وأمارس حياتي بشكل طبيعي، ومن خلال تلك الورش والمؤتمرات التي أشارك فيها تعرفت إلى أشخاص جدد وثقافة جديدة أستطيع أن أطبقها في مدارس وطني كتعليم لغة الإشارة لأفراد المجتمع».

وبينما تستلهم سلمى إبراهيم من دولة الإمارات العربية المتحدة حديثها بقولها: «أصبت بالصم منذ الصغر بسبب حمى شديدة ألمت بي أدت إلى فقداني السمع»، فإنها تستدرك: «على رغم ذلك لم أستشعر الاختلاف بيني وبين الآخرين بل على العكس، والآن بدا واضحاً التطور الإيجابي الذي طرأ على حياتي، فأنا لا أختلف عن غيري من الأصحاء؛ إذ لابد أن أفكر في مستقبلي والانخراط مع الآخرين دون أن أجد أي صعوبة في ذلك».

مستقبلنا سرّ تطوّرنا وازدهارنا

وأفادت سيما النوخذة من مملكة البحرين: «أصبت بالصم منذ ولادتي، شعرت بالانعزالية بدايةً عند دخولي المدرسة لشعوري بمدى اختلافي عن الآخرين، في طريقة تعاملهم معنا نحن فئة الصم، فهناك من يتعامل معنا كأسوياء وهناك من ينبذنا وينبذ لغة الإشارة أيضاً؛ إذ أرى البعض الآخر يستصعب تلك اللغة فيلوذ للكتابة لأجل التواصل معنا».

وأضافت النوخذة: «أؤمن في الحقيقة أن التكنولوجيا حقاً غيّرت الكثير في حياتي، فصارت عملية التواصل مع أفراد المجتمع أسهل بكثير وأؤمن أيضاً بأهمية وجود مترجمين للغة الإشارة وأهمية تطور ورقي أفراد المجتمع، فأسعى دائماً إلى تطوير نفسي عن طريق تعلم التصوير المرئي نظراً لاهتمامي وشغفي به، فنحن فئة الصم لابد أن نسعى إلى إكمال دراساتنا في الجامعة وتطوير مهاراتنا على رغم شعوري بالأسى لعدم تمكني أنا من ذلك بسبب بعض الظروف، فأنا موظفة وعاملة حالياً لكن أملي كبير في وجود فرص للآخرين في التوظيف والعمل من أجل خدمة مجتمعاتهم».

يُسْر التواصل مع التطور التكنولوجي

وفي رأي مماثل، أردف الموظف في الإدارة العامة للتربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم بالمملكة العربية السعودية مسفر العصيمي: «منذ ولادتي أصبت بداء الصم، كنت أرى علامات الضيق والخوف بارزة في محيا والدي إزائي، إذ كان لدي أخوان آخران يعانيان من الداء نفسه. لاقيت بعض الصعوبات في كيفية الاندماج مع الأسوياء من حولي، والتحقت بإحدى المدارس الخاصة بالصم، لوحظ بدايةً مدى بطء استيعابي، لكن مع الوقت بدأ إدراكي يتطور شيئاً فشيئاً حتى أنهيت الثانوية العامة».

وأفاد العصيمي: «لله الحمد أشعر بالراحة الآن، فلغة الإشارة هي الأداة المساعدة التي لا تشعرني باختلافي عن الآخرين، فأنا متعلم ومثقف ومدرك لحالي، وهذا بحد ذاته نعمة. وأتواصل مع الآخرين بشكل طبيعي بلغة الإشارة لمن يعرفها وبالكتابة لمن لا يعرفها. أما الآن وفي ظل التطور التكنولوجي من مواقع إلكترونية وهواتف ذكية فقد فُتِح لنا الباب للتواصل مع الآخرين بيسر وسهولة، وأنا سعيد جداً بحضوري إلى مملكة البحرين ومشاركتي في الملتقى».

دمجهم في المجتمع غايتنا

وأخيراً كان اللقاء مع رئيس اللجنة الفنية بجمعية الصم البحرينية محسن التيتون في إفادته: «عند تأسيسنا للجمعية كنا نستهدف فئة الصم في مجتمعنا؛ إذ كنا نرى مدى حاجتهم للرعاية والاهتمام من قبلنا عبر دمجهم في المجتمع، فأنا بصفتي فناناً تشكيلياً كنت أسخِّر دوري في خدمتهم في عمل إنساني، كنت أراهم في أمسّ الحاجة إلى اهتمام من قِبَلنا، وتمنيت أن يتمكنوا من هذا الفن للتعبير عمّا يختلج صدورهم إلى العالم من حولهم. قدمت العديد من الورش الفنية التي تمكنا من خلالها من إبراز مواهب فئة الصم إلى المجتمع والتي برهنت على مدى قدرتهم على المشاركة في المحافل والاندماج مع الآخرين في المجتمع».

العدد 3914 - السبت 25 مايو 2013م الموافق 15 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:19 ص

      كيفية الحصول على وظيفة لذوي الاعاقات

      لمادا لايتقبلهم المجتمع كافئة فعالة وقادرة على العطاء

اقرأ ايضاً