العدد 3913 - الجمعة 24 مايو 2013م الموافق 14 رجب 1434هـ

الكواكبي بين العلمانية و«الإسلاموية»

على رغم عدم تقابل المفهومين كمضمونين عكسيين، وعلى رغم أن معظم المفكرين الذين ناقشوا فكر المفكر السوري عبدالرحمن الكواكبي فوّتوا مناقشة ما يمكن تسميته بالتأثيرات «العَلمانية» و«الاشتراكية» في فكر الكواكبي تجاوزاً، إلا أن البعض الآخر من المفكرين ذهبوا بعض المذاهِب بذلك، فعلى سبيل المثال ينقل محمد كامل ضاهر عن زكريا فايد قوله: «إن الكواكبي كان من أتباع التيار العلماني التنويري وليس مصلحاً دينياً»، ويقول عبدالعزيز البسام: «إن الكواكبي كان رائداً في تأكيد الديمقراطية والقومية العربية والاشتراكية». ويحاول المفكر محمد عبدالجبار الرد عليهما بقوله: «إن المُلتبس عند المفكرين - الذاهبين إلى عَلمانية الكواكبي - هو وجود القطيعة بين الكواكبي وبين فقهاء الفِكر الاستبدادي وتحميل هذا الموقف أكثر مما يحتمل من حيث وجود قطيعة بين الكواكبي والإسلام. ولم يعرفوا أن هذه دعوة للعودة للنبع الأصيل للإسلام. (عبد الجبار، 2002).

ويحاول تفسير عدم دعوة الكواكبي للدولة الدينية بقوله: «ولم يدعُ الكواكبي إلى قيام دولة دينية، لا لأنه علماني، وإنما لأنه لا توجد في الإسلام دولة دينية. فالدولة الإسلامية، حالها حال أي دولة أخرى، دولة بشرية، إنها دولة المسلمين، بالأساس، يكون فيها الحاكم وكيلاً للأمة، والشورى طريقة الحكم، والشريعة الإسلامية هي قاعدته الدستورية. إنها دولة تحكمها المعادلة المحكمة التالية: السلطان للأمة والسيادة للشريعة الإسلامية». (عبد الجبار، 2002).

كما ذهبَ محمد جمال طحَان للقول إن الكواكبي حين عرض الأفكار الاشتراكية كان ينبغي عليه أن يتخذ موقفاً إما مؤيداً أو معارضاً، إلا أنه استنتج ما لا علاقة له بها، وهو بذلك يكشف عن كونه مفكراً مُشبعاً بالفِكر الديني الإسلامي، ويؤكد ذلك بقوله: «ولم تكن سياقته للأفكار الاشتراكية إلا محاولة منه في التدليل الإضافي على صحة ما يعتقد به، وليس لأن ما وصله من الماركسية قد أعجبه فحاول تبيَنه» (طحّان، 1993،173).

وعند ملاحظة نصوص طبائع الاستبداد دون القفز لما وراءها، ودون قراءة ما يُدعى أنه بين السطور كما فعل بعض المفكرين، يمكن التماس وجود هم إسلامي ينطلق منه الكواكبي، فهو حين يتكلم عن العدالة المالية مثلاً يُمكن ملاحظة محاولة إيجاد صلة بين الفكر الإسلامي والعدالة الاجتماعية، بل ويقول: «جاءت الإسلامية بقواعد شرعية كلية تصلح للإحاطة بأحكام جميع الشئون حتى الجزئية الشخصية، وأناطت تنفيذها بالحكومة كما تطلبه الآن أغلب جمعيات الاشتراكيين» (الكواكبي، 2006،100).

هذا في حال رغبنا في تصنيف فكر الكواكبي، وهل هو خارج إطار الأفكار الاسلامية إلى الأفكار العلمانية الدنيوية، إلا أني لا أجد حاجةً لمثل هذا التصنيف، إذ قد يحمل تحجيماً واختزالاً لفكره، فهو من جانب مفكرٌ إسلامي، يحمل هم المسلمين، وهو من جانب آخر مفكر عربي عالمي مناهض للاستبداد والظلم. وكما هو ابن المدرسة الإسلامية، فهو ابن زمانه وظروفه، ومفكر نهضوي يدعو لفتح باب الاجتهاد، وما يمكن التماس شيء خارج عن الاجتهادات الحديثة بفكره وطرحه، سواءً في المؤسسة الدينية المستلبة أو المالية المستغلة أو السياسية المستبدة. وهذا يعطيه جانباً توفيقياً، فهو يجتهد في تشكيل النظام العادل في نظره بأسلوب أقرب للعِلم وللمصالح الدنيوية دون أن يقدح ذلك في إسلامه، بل يوضح الدكتور محمد عمارة هذه الفكرة في معرض كلامه عن فكرة الإسلامية في فكر الكواكبي بقوله: «الإسلامية كنظام للحكم وتجربة في الاجتماع والاقتصاد والسياسة، تجربةٌ مفتوحة الذراعين لكل ما تأتى به الحياة، وإن سر خلودها وصلاحيتها الدائمة إنما هو في تطورها وتطويرها مع روح العصر ومقتضيات العمران وملاءمتها الدائمة لقوانين المجتمع والكون والطبيعة (عمارة، 1980، 120).

العدد 3913 - الجمعة 24 مايو 2013م الموافق 14 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً