تطورت سياسة الولايات المتحدة تجاه لبنان منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري العام 2005 لتصبح سياسة نشطة شعارها «لبنان مستقل ذو سيادة»، حيث أضحى هذا الشعار الآن حجر الزاوية في العلاقات الأميركية اللبنانية.
وقد جرت ترجمة هذه السياسة على مستويات ملموسة من الدعم لمؤسسات الدولة التي يمكنها أن تشكل أساس ديمقراطية متطورة. وقد بذلت إدارة الرئيس أوباما جميع الجهود لتطمين اللبنانيين بأن استقلالهم لن يجري الاتّجار به كجزء من صفقة واسعة كبرى مع النظام السوري حول أهداف السياسة الأميركية الأوسع في الشرق الأوسط.
ورغم أن ذلك يعتبر تغييرا مُرحّبا به مقارنة مع الماضي عندما كانت أهداف الولايات المتحدة في لبنان ناتجة عن العلاقات الإقليمية، من السذاجة الافتراض بأنه تم تحقيق النصر في المعركة بالنسبة للبنانيين. السؤال الذي يبقى مطروحا هو ما هي الجهود التي يبذلها القادة اللبنانيون لضمان استدامة هذه المؤسسات ومناعتها من التغييرات السياسية والتدخلات، بأسلوب يضمن الاستقلال والأمن للشعب اللبناني على المدى البعيد؟
يتطلب دعم سيادة لبنان واستقلاله توجها متعدد الأبعاد، فبالإضافة إلى منع تدخل سورية وغيرها من القوى الخارجية، يجب تشجيع اللبنانيين على قبول مسئوليات محلية معينة.
أولا، هناك حاجة لإصلاحات في القانون الانتخابي تسمح بتمثيل نسبي ليحل مكان النظام الحالي الذي يرتكز على الأغلبية، واستمارة انتخابية دولية لتحل محل تلك المكتوبة باليد التي يقوم بتوزيعها وكلاء الأحزاب والتي تعرّض سرية العملية الانتخابية وصدقيتها للخطر، ومشاركة لبنانيي الشتات في العملية الانتخابية وتخفيض سن التصويت من 21 إلى 18 سنة. وقد تم تبنّي الإصلاحين الأخيرين من حيث المبدأ رغم أنه لم يجرِ تنفيذهما بعد. جميع هذه العناصر حاسمة لنظام انتخابي شمولي يعمل بنجاح يعزز شرعية العملية الديمقراطية.
ثانيا، ضرورة وضع قانون للأحزاب السياسة يرعى عملية تشكيل منابر سياسية تتسامى عن الخلافات، لرفع مستوى الحوار الداخلي حول الخيارات الإستراتيجية والاحتياجات التنموية. ويشكّل قانون كهذا أساس نظام جديد لحل النظام الذي يرتكز على شخصيات حقبة ما بعد الإقطاع، التي تسيطر على السياسة اللبنانية.
ثالثا، تعمل الإصلاحات في مجال حكم القانون واللامركزية الإدارية على توسيع سلطة الحكومة في جميع أرجاء الدولة وتحمي مشاركة المواطن وأمنه.
لقد تردد الزعماء السياسيون في تبنّي إصلاحات كهذه، والتي يمكن أن تقوض أركان سيطرتهم على السلطة السياسية وتفتح النظام أمام نخب جديدة قد تتحدى سلطتهم. هناك بوادر أمل رغم ذلك، ومن بينها موقف الرئيس ميشيل سليمان فيما يتعلق بإنشاء برلمان ثنائي المرجعية، وهو قرار مهم لمعاهدة الطائف (التي أدت إلى نهاية الحرب الأهلية التي استمرت فترة 14 سنة عام 1990) جرى تجاهله حتى الآن وتشكيل وزير الداخلية زياد بارود للجنة الانتخابية المستقلة وتمكين المجتمع المدني في العملية الانتخابية المقبلة.
جرى وضع انتخابات السابع من يونيو/ حزيران اللبنانية المقبلة وإلى درجة كبيرة في إطار معركة بين تحالف 14 آذار الموالي للغرب وتحالف 8 آذار الموالي لسورية وإيران والمعارض. ويحّد هذا التبسيط من دور القوى والزعامات المستقلة ذات التوجه الإصلاحي داخل المجموعتين وما وراءهما، فلدور هذه المجموعات أهمية خاصة حيث إن نصرا ساحقا يعتبر أمرا بعيد الاحتمال من قِبَل جميع المراقبين.
وفي الوقت الذي يمكن فيه أن يكون لنتائج الانتخابات وقعا على أساليب الحكم في لبنان، إلا أنه من غير المتوقع لها أن تغيّر نظام الحكم الحالي. ولأن النظام السياسي السائد يعطي لكل مجموعة حق النقد (الفيتو) فإن أي تغيير له أهميته يعتبر مستحيلا، بحيث يصبح الشلل السياسي أمرا ممكنا في أي وقت لا يتم فيه تمثيل طائفة كبيرة بشكل صحيح في أي تشكيلة حكومية.
وبعكس حالة السلطة الفلسطينية، يلعب البرلمان في لبنان دورا مهما، ولا يمكن لأي حزب أن يدفع الدولة في أي اتجاه دون أن يعترضه أحد، كما أثبتت السنوات الأربعة الأخيرة. لذلك يجب ألا تعتبر ردة فعل مثل غزة خيارا مقبولا لدى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
ليست انتخابات السابع من يونيو/ حزيران، بمعنى آخر، هي المعركة الحاسمة لمستقبل لبنان، إذ تكمن أهميتها فيما إذا كانت ستمهد الطريق لإصلاحات إضافية، وتعمل على مأسسة تلك الإصلاحات التي تمت. يتوجب على المجتمع الدولي أن يعمل مع قادة ذوي عقلية إصلاحية لضمان تطوير عملية ديمقراطية تركّز على المؤسسات قبل الشخصيات. وقتها فقط يحصل لبنان على عناصر السيادة والاستقلال.
*المديرة التنفيذية لمؤسسة الصفدي بالولايات المتحدة، وقد عملت مسبقا موظفة خبيرة في لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب برئاسة هنري هايد وقتها، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2467 - الإثنين 08 يونيو 2009م الموافق 14 جمادى الآخرة 1430هـ