العدد 3911 - الأربعاء 22 مايو 2013م الموافق 12 رجب 1434هـ

دماءُ العراقيين والقرار رقم (2)

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

والعراقيون يَسْبَحُون في دم الإرهاب وأمواج الطائفية، تمرُّ علينا ذكرى أليمة. وقد نتجاسر وندَّعي، أنها لو لم تتحوَّل إلى فعل ثم إلى ذكرى، لكَانت دماء العراقيين اليوم في أمنٍ أكثر بكثير. ففي مثل هذا اليوم، الثالث والعشرين من شهر مايو/أيار من العام 2003 (أي قبل 3654 يوم من الآن) أصدر الحاكم المدني في العراق بول بريمر، قراراً يحمل الرقم (2) يقضي بحل الجيش العراقي.

والحقيقة، أن هذا القرار، قد أخذَ طريقه بشكل غريب وسريع من داخل البيت الأبيض إلى العراق ليتم تطبيقه بطريقة لافتة. كولن باول، الذي كان حينها وزيراً للخارجية (وقبلها رئيساً لهيئة الأركان الأميركية)، قال: أنه «لم يُطلَب منه المشورة قبل أن يُصدِر بريمر قرار حل الجيش العراقي». ثم يضيف، أنه سَأل كوندوليزا رايس، والتي كانت حينها مستشارة للأمن القومي في إدارة جورج بوش الإبن، فقالت: أنا تفاجأت أيضاً! إذاً مَنْ أمَرَ بذلك. هل نهزُّ كتفاً فقط؟! ربما.

كانت الخطة الأميركية في البداية تقتضي بأن تُنزَع أسلحة قوات الحرس الجمهوري العراقية وتُفكَّك، ويُعتقل منتسبوها، ولكن يتم الإبقاء على وَحَدَات الجيش العراقي، على أن تستخدم ثلاث فرق، من أصل خمس فرق لتشكيل جذوة جيش عراقي آخر. ورغم سوء هذه الخطة، إلاَّ أنه لم يُعمَل بها، بل إن القرارات اليمينية تجاوزتها، وبات أكثر من 350 ألف جندي عراقي (يضاف إليهم نصف ذلك العدد في الأجهزة الأمنية الأخرى) يلبسون الدشاديش العراقية ويجلسون في منازلهم، يحتسون الشاي، بدون مُرتبات شهرية!

بعد هذا القرار، لم يعد الفرد العراقي يُحسُّ بالأمن الشخصي ولا الاجتماعي. وفجأةً، وفي بحر ساعات، ارتفعت البطالة بنسب فَلَكيَّة، وبات هؤلاء الجنود، عُرضةً للاستغلال. دول الجوار. القاعدة. الاستخبارات العالمية. إفقار مُتعمَّد، يُضاف إليه خارطة أمنية وعسكرية باتت متوفِّرة في البيوت والحوانيت بيد أفراد لا قيادة لهم. لم يعد هناك سوى التوظيف الأسوَد لمثل هؤلاء المُسرَّحين، مع غياب عنصر الولاء للدولة.

وكما قال الكولونيل بول هيوز، مساعد الجنرال جاي غارنر، الذي سَبَق بريمر في إدارة سلطة الاحتلال المدنية، مُعلقاً على قرار حل الجيش العراقي «لقد كان قراراً خاطئاً. لقد تحوَّلنا من محرّرين إلى مُحتلين بهذا القرار. فبِحَل الجيش دمرنا، في العقلية العراقية، آخر رموز السيادة، ونتيجةً لذلك خلقنا جزءاً أساسياً من المقاومة». في المحصلة هذا الذي حصل بالفعل.

عندما حُلَّ الجيش، وحُلَّت الدولة ومؤسساتها، أصبحت البلد مُجوَّفة. لا يوجد صدى للسيادة، ولا لمفهوم السلطة ولا الطاعة ولا التراتبية. وأصبحت مقولة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حاضرة: «لا أمرَ لِمَن لا يُطاع». والنتيجة، ذهاب هيبة الدولة، لصالح الهِرَرَة المستأسدة، من أحزاب طائفية وقاعدة وتكفير وقوميات ذات أعناق مُشرئِبَّة، وهويات فرعية تتعاظم.

وهنا يأتي السؤال: إذا كانت الولايات المتحدة تُعِدُّ نفسها إمبراطورية فمن السّخف أن لا تعرف كيف تدار السياسات إلاَّ بالقرارات الخطأ. يدَّعون أن الجيش العراقي، الذي بنته الثروة الوطنية، والعلاقات الدولية لبغداد على مدى خمسين عاماً هو جيشٌ غير مأمون، ومن مخلفات البعث، لكنها تنسى كيف آوَتْ واشنطن نازيين ألماناً ونمساويين مطلوبين للعدالة الدولية بتهم جرائم ضد الإنسانية، بعد الحرب العالمية الثانية للعمل لديها كخبراء في برنامج الولايات المتحدة في مجالَي الفضاء والسلاح! هذه هي المعايير المزدوجة التي تعتمدها واشنطن في التعامل مع المصالح.

الجيش العراقي ورغم أنه جيشٌ أنهكته الحروب الثلاث من العام 1980 وحتى العام 2003، والظروف السياسية في البلد منذ العام 1991، إلاَّ أنه يبقى جيشاً له قيادة وتراتبية، ونظام أوامر عسكرية صارم، فضلاً عن تدريباته ودوراته المكثفة، وولوجه في العمليات التصنيعية والإنشائية، وكذلك الحال بالنسبة للأجهزة الأمنية، وهما يمتلكان جغرافيا البلد، وخارطته الاستخباراتية وبطونه الرخوة والصلبة معاً، وبالتالي يصبح الاستغناء عنهما عملية انتحار مجاني في ظل انفلات أمني.

وربما نستحضر هنا (وذكرنا ذلك سابقاً أيضاً) بأن الفرنسيين فعلوا الشيء ذاته بعد ثورتهم في العام 1789 عندما أعدمت قوى التغيير أنْجَبَ ضباط القوة البحرية في الجيش الفرنسي، بتهمة موالاتهم للحكم الملكي (لويس السادس عشر). وقد كانت النتيجة، أن خسائر فرنسا في معارك البحر مع البريطانيين كانت عشرة أضعاف خسائر الجيش البريطاني. هذا هو التاريخ.

لقد علمتنا التجربة، أن نفرِّق ما بين النظام وأفراد النظام. فالنظام السياسي، يستسْلِك بمنهج سياسي وفكري واقتصادي وأيدلوجي محدد، والأفراد العاملون فيه، خاضعون لذلك المنهج، المُشكِّل في النهاية لصورة وكُنه ذلك النظام. وبالتالي فإن الإشكال هو مع المنهج وليس مع الأفراد، الذين بإمكانهم أن يعملوا في ظروف منهج مختلف، كما يجري الآن في ليبيا ومصر.

اليوم العراقيون يدفعون ثمن أخطاء الأميركيين. ما الضَّرر الذي أصاب بريمر؟ هو اليوم متقاعد، ويتسلم راتباً شهرياً مُجزياً ويعيش في مسقط رأسه بولاية ميريلاند، ويكتب مذكراته. أما العراقيون، فهم يموتون يومياً بسبب الإرهاب والسيارات المفخخة. وهي المفاعيل والبؤر التي بُنِيَت واستوطنت في كامل أرض العراق أثناء غياب الجيش العراقي المنحل بتوقيع أميركي.

هو اليوم يقول أخطأت. حسناً... ما الفائدة أن يسمع العراقيون هذا الاعتراف؟ بل الأدهى، أنه يعترف لأنه لم يفعل الأكثر إيلاماً! وما بين قرار احتلال العراق ثم حلّ جيشه واستيطان الإرهاب والطائفية فيه يتذكر العراقيون بول بريمر وهم يُحملقون في الدم المُراق على الأرصفة. ساعدَ الله العراق والعراقيين، فقد أنسَت مآسيهم ما قبلها وأتعَبَت ما بعدها.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3911 - الأربعاء 22 مايو 2013م الموافق 12 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 7:12 ص

      قرار

      فعلا . قرار غبي

    • زائر 7 | 3:46 ص

      لك الله يا عراق

      لك الله يا عراق
      متى سيتوقف نزف دمائك و جراح ابنائك ؟
      نسأل الله لكم الفرج

    • زائر 5 | 1:15 ص

      علي نور

      قرار حل الجيش العراقي قرار جائر ظالم اصاب قلب العراق في مقتل وادماه
      لكن (واعوذ بالله من هالكلمة ) القرار كان في محله ( اي قرار خاطي في موضع صائب ) لانه وان اضر بفئة كبيرة من العراقيين واصابهم في ارزاقهم لكن في ذلك ما دفع الحكومة العراقية بقيادة واحد من اكثر قادتها صلابة وقوة (المالكي) كي يبنون جيش عقائدي قوامه الولاء للوطن بدل الولاء للفرد. جيس تمكن قادته من الاستناد عليه في مفاوضات شاقة مع الامريكي ادت الى اخراجه من بلادهم.
      مقال جيد.بدل الكتابات الجنبلاطية (التي تمدح احد ليلا ثم تذمه صباحا)

    • زائر 4 | 1:04 ص

      كلام سليم..

      كلامك أستاذ أصاب كبد الحقيقة..
      لكن قد يكون القرار الأمريكي "اليميني" هذا هو المطلوب منه
      أن يتم إشعال الساحة العراقية ويكون أول وقودها هم عناصر الجيش المنحل..!

    • زائر 3 | 12:40 ص

      اللهم ارفع البلاء عنا يارب

      متى تنتهي الطائفية !! متى يتوقف الطائفيون عن افعالهم واقوالهم ومواقفهم واقلامهم متى!!
      مذا حدث لامة محمد صلى الله عليه وآله!! متى نتوحد ضد اعداء الامة الحقيقيين من الصهاينة والغرب الداعم لهم خاصة امريكا وحكام العرب الطغاة الخونة الذين باعوا كل مقدسات المسلمين في ارض فلسطين وخانوا امة محمد ودين الله والعرب كلهم!

    • زائر 2 | 11:42 م

      كلا

      هذا الجيش والأمن الذي تدافع عنه هو الذي قتل الشيعة والأكراد في العراق
      جووووووووز

    • زائر 6 زائر 2 | 1:48 ص

      سؤال

      هل دمر الامام الخميني الجيش الإيراني بعد الثورة لأن هذا الجيش هو الذي قتل الآلاف في مجزرة خرداد؟؟!!!!

    • زائر 1 | 10:44 م

      نحن نعلم

      اذا كان كولن باول، كوندوليزا رايس لا يعلمان، فنحن نعلم. القرار كان اسرائيليا. اسرائيل كانت وراء كل ما جرى فى العراق. السبب منع تحقيق الأسطورة الإسرائيلية بأن عمر هذا الإستعمار ينتهى بعد 70 عاما بيد سيد من بلاد الرافدين. لكن ستخيب آمالهم.

اقرأ ايضاً