كبر بداخلي القلق حين أخبرتني الطبيبة أنني أنتظر مولوداً، وأنا التي طالما حلمت بطفل أنجبه ممن أحب. لكن الأمر بدا مخالفاً حين تزوّجت كفيفاً، فكان القلق سيد الموقف عند سماع هذا الخبر السعيد.
مصدر القلق الأول كان حول ما إذا كان هذا الطفل سيولد كفيفاً أو مبصراً، على الرغم من أنني تأكدت من طبيبة الوراثة أن الإعاقة لدى زوجي -رحمه الله- ليست وراثية، والسبب الثاني لقلقي هو كيفية تعامل الطفل مع أبيه والعكس؛ إذ وعلى الرغم من يقيني أن من اخترته زوجاً كان ذكياً وحكيماً بما يكفي لأن يتغلب على كف بصره ويكون مثالياً في كل الأمور الأسرية، إلا أنني كنت أخشى هذه النقطة وخصوصاً عندما صار مجيء قيس قريباً، لخوفي من عدم تقبله لإعاقة أبيه.
هذه الحال لم تكن خاصة بي فقط؛ إذ اكتشفت فيما بعد أنها الوضع الطبيعي لأية امرأة تفكر في الزواج من ذي إعاقة، بل ولأية أسرة تقبل بزواج ابنتها منه، لكن سرعان ما تغيرت الحال حين أنجبت طفلنا الأول ووجدت روعة تعامل أبي قيس معه، وكيف أنه كان أباً مثالياً جداً كما كان زوجاً مثالياً تماماً.
الدهشة لم تفارق أحداً ممن كان يعرف بعلاقة «حسين الأمير» بابنه وعلاقة ابنه به، وهي ذات الدهشة التي تصيبهم بعدما أنجبنا ابنتنا أيضاً، وصار تعلق الطفلين به شديداً لما لمساه من محبة وحنان ومحاولة لتعويض ما لا يستطيع قيامه بما يمتلكه، حتى أنه كان يلعب معهما كرة القدم حين سأله قيس أن يفعل، وعلمه ركوب الدراجة الهوائية والعزف على الأورج.
إن القدرة التي امتلكها أبو قيس ليست غريبة ولا خارقة، بل إنها ملكة يتمتع بها كثيرون من ذوي الإعاقة ممن تغلبوا على المشاعر السلبية والرغبة في الاتكال على الآخرين في فعل ما يجب عليهم هم فعله، وممن عرفوا واجباتهم وتحدوا كل الظروف ليكونوا مثاليين في علاقتهم بأنفسهم قبل علاقاتهم بالآخرين. هي صفات حين توجد في ذي الإعاقة، فإنها تنقله من صفة «المسكين» في نظر الآخرين إلى صفة المبدع المتميز؛ والوصول لهذه المرحلة لا يبدو سهلاً أبداً، خصوصاً حين يطلب أبناء هؤلاء منهم ما لا يستطيعون فعله أبداً، بسبب نوعية الإعاقة واستحالة تخطيها في هذا الأمر، كأن يطلب الطفل من أبيه ذي الإعاقة الحركية أن يركض معه في الملعب مثلاً، أو يطلب من أبيه الأبكم أن يغنّي معه.
ولأن الآباء يعشقون أبناءهم ويتمنون جعلهم أسعد المخلوقات، نجد أنهم يحاولون جاهدين ألا يشعر أطفالهم بالأسى والحزن لأن آباءهم لا يستطيعون تلبية كل رغباتهم في اللهو واللعب أو غيره، ويقومون بتعويضهم في الأمور الحياتية الأخرى، وهو ما يشعر به أفراد أسرهم بمن فيهم أطفالهم حين تكون نظرتهم للإعاقة ولآبائهم نظرة إيجابية قائمة على الاحترام وتفهم موضوع ألا أحد كامل في هذه الحياة سوى الله.
وبالعودة لمدى تقبل الأبناء لآبائهم، نجد أن هناك بعض الأبناء ممن يشعرون بالخجل من إعاقة آبائهم أو الضيق والتذمر، في حين يوجد كثير منهم لا يأبهون لها بل ويعتبرون آباءهم مثاليين أكثر من غيرهم لما يبذلونه من جهد ومحاولات ليصلوا إلى ما وصلوا إليه. وموضوع التقبّل هذا يعود إلى طريقة التربية ومدى استيعاب الطفل لإعاقة أبيه منذ البداية. فلو أن الأسرة تعلم أطفالها منذ البدء أن لأبيهم قدرات محدودة فيما يختص بإعاقته، لكنها متقدمة جداً في جوانب أخرى، وهي الحال التي غالباً ما تكون صحيحة في ذوي الإعاقة الذين يتميزون بالكثير من النواحي الإبداعية في مجالات مختلفة تعويضاً عن محدودية إمكاناتهم فيما يتعلق بإعاقتهم، لتقبل الطفل والده منذ البداية بل وافتخر به ولم يخجل من مرافقته له في كل مكان.
ولا يقتصر الأمر على محيط الأسرة فقط في زرع الثقة والفخر بالآباء ذوي الإعاقة، بل يجب أن تتوقف وسائل الإعلام والمسلسلات التلفزيونية والأفلام في تصوير ذوي الإعاقة وكأنهم لا يملكون من أمرهم شيئاً، أو تقديمهم وكأن لهم قدرات خارقة لا يصدقها العقل. هذه المواد الإعلامية والدرامية كفيلة بأن تغيّر من النظرة لذوي الإعاقة، وكفيلة بأن تخلق جيلاً يفهم قدراتهم حين تكمل الأسرة دورها وتربّي أطفالها على احترام هذه الفئة.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3911 - الأربعاء 22 مايو 2013م الموافق 12 رجب 1434هـ
يستحقون الوقوف
بالفعل المعاقين يحتاجون منا الوقوف بجانبهم
والكتابة عنهم وعن قدراتهم فلك الشكر استاذتنا على هذا المقال ونرجوا ان تكثري من المقالات عنهم
تحياتي للكاتبه القديره
لقد عوضك الله بالحب والحنان من قبل زوجك الراحل فليس كل الازواج المبصرين بمثل زوجك ومناقبياته الله يكون في عونك ويبلغك في ابنائك وهذه سنة الحياة فالفراق صعب خصوصا عند فراق من نحب نسال الله ان يحشرة مع الصديقين والله يعوضك خيرا في ابنائك
واحد عنده حواس وواحد عنده لكن ما فيها فايده ولا عايده
ليست الا عبره في حواس ومشاعر، فكما السمع وحاسة الابصار عند بعض الناس تبصر وما تبصر. فكم من مبصر لا يبصر وكم من من قال كلام في الحب ما يحب وكم من عنده إذنان ولا يسمع الكلم ويحرفه. هنا وهناك ليس التلاعب بالمشاعر ولكن الكلام مسكه ختام، عند ما يكون صادقا ومن القلب الى القلب يصل. أووا ليست الأعمال بالنيات... ولكل أمرء من ذكر نوايا صادقة وأخرى قد تكون فاسده. فما الفرق بين واحد عيونه مبققه؟ وآخر يرى عيوب الناس وينسى عيوبه؟ فأين العبره؟
شكرا للاسرة الصغيرة المبدعة
شكرا جزيلا على مقالك النافع والرائع...الرحمة لابي قيس الامير،وحياة سعيدة ملؤها العطاء والابداع لأم قيس وابنها وبنتها الذين بلا شك ان الله سبحانه وتعالى سيعوضهم في الدنيا قبل الاخرة .