العدد 3911 - الأربعاء 22 مايو 2013م الموافق 12 رجب 1434هـ

أحياناً... الكذب مصدر من مصادر الدخل القومي!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

نتفق زوراً وبهتاناً أن الكذب حق من حقوق الإنسان؛ لكن أن تحتل مساحة الكذب كلها عبر أجهزة تواصل تملكها؛ وتحرم الآخرين من الرد على ذلك الزور والبهتان الذي قررت أن يكون حقاً حصرياً لك؛ فذلك لاشك ينشئ واقعاً يعمل على قلب البديهيات رأساً على عقب؛ بحيث إذا أراد الذين هم وراء ذلك الزور البهتان ... الكذب أن يسوّقوا الانبطاح باعتباره علاجاً طبيعياً فذلك يتم إقراره حتى في المناهج الوطنية التي لا أعرف كيف تكون وطنية بالانبطاح؟!

وإذا أرادوا أن يسوّقوا الخذلان باعتباره قيلولة، فذلك يتم إقراره واعتماده في مناهج الصحة العامة، وإذا أرادوا أن يسوّقوا ظاهرة طوابير التسول باعتبارها تجنيداً وطنياً وتفقّداً للرعية في ظروف تمرّ بها كل أمم الأرض؛ فذلك يتم تثبيته وتأكيده عبر شعار «المواطن غير» مع الاعتذار لشعار «جِدّة غَير»!

***

اليوم أنت مُجرّمٌ بحكم «القانون» الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها! لو حاولت أن تفكّر في أن لك حقاً في هامش الرد على قارات من الكذب الذي يطلع عليك صباح مساء عبر أجهزة إعلامية تدور كاميراتها وتُدفع أجور ببغاتها من جيبك في صورة أو أخرى. التفكير في مثل ذلك الحق في الهامش بمثابة التشكيك في قانون الجاذبية، وقانون لكل فعل رد فعل، وقانون الطفو! ومطلوب منك أن تقتنع وبولاء خالص أن الكذب أحياناً مصدر من مصادر الدخْل القومي؛ فلا تحولوا بين الناس وأرزاقهم!

***

البيانات حكاية أخرى؛ وخصوصاً تلك المتعلقة بما يسمّى الوضع الأمني. كل مواطن إرهابي حتى يثبت ألاّ علاقة له بأطنان أو كيلوات أو غرامات من مواد تي إن تي على أقل تقدير؛ أو معملاً لتصنيع القنابل الهيدروجينية! لاحظوا: الهيدروجينية في أوطان معظمها عاجز عن توفير ملابس داخلية جيدة الصنع، وتوفير ربع غرام من الكرامة ولو ضمن حصّته من الدواء الذي لن يجده في صيدليات وزارات دول النفط والرفاهية!

***

لا تحتاج إلى ثاقب ذكاء كي تكتشف أن الذين يقفون وراء بيانات الفتنة التي تطلع على المواطن العربي من الأجهزة الرسمية بقنواتها الإعلامية أو حتى قنوات الصرْف الصحي - لن تلاحظوا الفرق كثيراً. هناك سمات مشتركة غير الرائحة: الفضلات! - هم ممّن لا يمكن أن يرى ويسمع ويشمّ ويتحرّك من دون أن يستمدّ طاقته من تلك المحرقة: الفتنة؛ تماماً كالمحرّك يحتاج إلى مادة تحترق كي تهبه دفعاً وطاقة. هل هي دفع وطاقة إذا تفحصّنا المآلات؟

***

تقدّم الصورة اليوم بتعدّد إمكانات إنتاجها - تقنياً وتناولاً وتوقيتاً وموقفاً - وثيقةً غايةً في الخطورة، إدانةً أو امتناناً، للذين يتحكّمون في الزمن ومخلوقاته بانحراف وتجاوز لا يمكن أن تستغفل عيناً أو تقفز على ذي بصيرة صلبة. الصورة نفسها لن تنحاز إلى النقيض من ذلك. الاستواء والإنصاف وممارسة الدرس الإنساني بتفاصيله الدقيقة. الصورة لا تنحاز. توثّق، تدين، تنصف أيضاً. منتج الصورة جزء من ذلك. لا علاقة بالإدانة والإنصاف فيما يُنتج ويرصد. الأمر له علاقة بالقبض على لحظة أو ربما جزء من الثانية لزمن يمارس الذين ارتهنوه أو كانوا رهائن فيه حالات شد وجذب. صراع له أوجهه المتعددة. غالباً، الأخلاقي في تلك الهيمنة شبه غائب.

***

تعرف سماحة المدن وطبيعتها من ملامح الشرطي الصريح فيها. الصريح بمعنى البعيد عن التخفّي والتلوّن والبحث عن صيد سيشعر بنهايته والتعطّل حين لا يعود به قبل انتهاء دوامه الرسمي. مدن كتلك إما أن تدفعك لشكرها في استقبالك لتلك الملامح وصاحبها؛ وإما تدفعك إلى لعن اليوم الذي أصبحت فيه رقماً ضمن مليارات من سكّان العالم؛ ويظل التفكير في العودة إليها ضرباً من الانتحار المجاني.

لماذا تُعرف مدننا بأنها عنصرية حتى في تعابير وجه الشرطي ورجل الأمن فيها؟ نصيب المواطن من كل ذلك التجهّم والعبوس والترصّد؛ فيما نصيب الشُقْر والبِيض وأصحاب العيون الزرقاء والخضراء من قِبَل ذلك الشرطي كل ما تعلمه وما لم يتعلمه من حفاوة؛ حتى لو تعطّلت إحدى عضلات وجهه، بقدرة قادر تعود إلى حيويتها ونشاطها. نؤمن بالترويج السياحي؛ ولكن ليس على حساب كساد الأخلاق وحُسْن المعْشر مع أهل الأرض؛ وخصوصاً حين يكون الشرطي مستورداً كأي سلعة!

***

بعد كل هذا الكذب واعتباره مصدراً من مصادر الدخل القومي؛ أو اعتباره مصدراً من مصادر التشريع في بعض الحالات التي يمكن تفحّصها وكشفها والوقوف عليها؛ لن تستطيع قوّة (وهم) أن تعيد النصاب إلى الحياة. الحياة لا يمكن أن تكون حياة بهلْوَسَة كتلك، وغيبوبة مثبّتة بالقهر ويُراد لها أن تكون سُنّة ومرجعاً. البهائم نفسها ستشحذ إمكاناتها المُؤجّلة لكي تنبّه أشباه البشر إلى أنهم يمارسون أدواراً أنِفَتْ عنها حتى البهائم!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3911 - الأربعاء 22 مايو 2013م الموافق 12 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 3:01 ص

      سمة الاعلام الكذب

      عزف غالبية الناس عن الاعلام الرسمي بسبب مجافاته للحقائق وتناول الامور الواضحة للعيان عكس ما يشاهده الشعب.
      اصبح واقع الاعلام الرسمي اما المقاطعة واما السخرية

    • زائر 8 | 2:32 ص

      التجارة بإسم الدين

      هناك من يعتقد أن العدل والمساواة كان تجب فقط في أيام النبي المصطفي صلى الله عليه وآله والخلفاء الراشدين وللأسف الشديد يوجد الكثير من بين هؤلاء رجال دين اتخذوا مكانتهم الدينية للتجارة وليس للعمل فيما يرضي الله سبحانه وتعالى. من هنا تقع المسؤولية على عموم الناس لتحديد موقفهم.
      في اعتقادي الشخصي الآن لا توجد معاجز كما كان أيام الأنبياء والمرسلين لمعرفة الحق من الباطل بل حقائق تظهر بشكل واضح وجلي حتى يتبين الحق من الباطل وتكون حجة على الناس في يوم الحساب.

    • زائر 7 | 1:46 ص

      تزوير وزيارة عتبات

      قد يعتقد البعض أن الزوير في المستندات فقط، بينما المزور يقول كذب ومن يقول زورا سوى شهادته أو قوله كلها موزورات ما زارت المساجد مثل مسجد شيخ حسين العلامة (قدس سره)، ومزور وتزوير وتضليل وإشغال الناس عن الحقيقة والواقع ليس بعيد عن معنى قول الزور. فهل الدعاية والاعلان ليس فيها خداع وزور وكذب على الذقون؟

    • زائر 5 | 1:26 ص

      المختار الثقفي

      ‎قال الله تعالى في وصف ومدح منقذ البشرية نبيه محمد صلى الله عليه وآله: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك.. الشرطي الذي ذكرته قد استجلب من صحاري وقفار مختلف دول العالم لقاء حفنة من الدنانير لضرب وتنكيل اهل البلد تشفيا منهم لاتباع سنة ذلك المنقذ لأنهم تعلموا منه ان يضحكوا في وجوه الناس كل الناس بمختلف اديانهم والوانهم... ولان ذلك الشرطي لا يعرف ألف باء منقذ البشرية ويكن لاهل بيته العداء كل العداء فالانتقام في من يتبعه اولى

    • زائر 4 | 1:08 ص

      عش رجبا ... ترى عجبا

      في بلاد العجائب ما هو أكبر ... يكفي أن تمارس الكذب .... لتصبح وزيراً أو وزيرة .. عجبي

    • زائر 3 | 12:51 ص

      وخصوصا في مملكة البحرين

      مصدر ممتاز للدخل القومي لاينضب ابدا

    • زائر 1 | 10:10 م

      الكذب المباح

      احد الفقهاء المعاصرين السلفيين حدد الكذب المباح ؛ الكذب على العلمانيين و اصحاب الفرق الضالة وعددهم و منهم الشيعة و الصوفية و كل من يضمر لأهل التوحيد -يقصد السلفيين بالطبع - سوءا لانهم في حرب مع اهل التوحيد و الحديث الشريف يقول الحرب خدعة

اقرأ ايضاً