تشكّل تفجيرات ماراثون بوسطن المريعة يوم 15 إبريل/ نيسان والأسئلة المتعلقة بروابط المتهمَين بالحركات العنفية المتطرفة في الخارج، تذكاراً بأن الصراع ضد الإرهاب لم ينتهِ. وتشكّل سياسة «مجابهة التطرف العنفي» التي بدأها الرئيس أوباما العام 2010، آخر وجه من وجوه هذا الصراع ضد الإرهاب. وتشكّل هذه السياسة، التي تستخدم القوة اللطيفة والشديدة، والتنمية والتعليم وغيرها من الإجراءات الوقائية، تحوّلاً من الردّ التفاعلي والعسكري على الإرهاب في العقد الماضي.
إحدى النواحي الجوهرية لمجابهة «الإرهاب العنفي» تمكين الجاليات المسلمة المحليّة والتشارك معها، حسبما تم وضعه بشكل رسمي في خطة التنفيذ الاستراتيجية للبيت الأبيض العام 2011 لتمكين الشركاء المحليين ومنع التطرف العنفي. ورغم أن العديد من الخبراء يوافقون أن هذه السياسة سوف تكون فاعلةً مع مرور الوقت، إلا أنه يظل هناك انعدام الثقة والمعلومات بين الجاليات المسلمة والهيئات الحكومية.
تعمل العديد من الهيئات الحكومية الأميركية على تفعيل وتنفيذ تأكيد البيت الأبيض على تمكين الجاليات وإشراكها. ويلتقي مكتب الحقوق والحريات المدنية التابع لوزارة الأمن الوطني بنشاط مع القيادات الإسلامية المحلية في أنحاء الوطن لبناء علاقات وتوفير معلومات حول الموارد الحكومية وتقبّل التغذية الراجعة والاهتمامات. وتستخدم وزارة العدل خدمات العلاقات مع الجاليات للانخراط على المستوى المحلي للتعامل مع مصادر التوترات الناشئة عن الخلافات العرقية والأصول القومية.
إلا أن أياً من هذه الهيئات لا تملك القوى البشرية أو الموارد الكافية للاتصال مع آلاف الجاليات المسلمة عبر البلاد. يعود الأمر بعد ذلك إلى الهيئات المحلية، وبالذات هيئات تطبيق القانون المحلية، لتبني الجسور.
ليست الفجوة بين هيئات تطبيق القانون والمسلمين بالمزاح، فبحسب ملخص بحث أجراه التجمع الوطني لدراسة الإرهاب والردّ عليه في جامعة ميريلاند، يوافق 89% من هيئات تطبيق القانون، أو يوافقون بشدة على أن «الجهاديين الإسلاميين»، (وهو تعبير مليء بالمشاكل، إذا أخذنا بالاعتبار أن كلمة الجهاد تعني ببساطة «الكفاح» باللغة العربية) يشكّل تهديداً خطيراً للولايات المتحدة، بينما يقول 62% إن «الجماعات الجهادية الإسلامية» موجودة في ولاياتهم.
من ناحية أخرى، تشكّ الجاليات المسلمة نفسها وبشكل واسع بهيئات تطبيق القانون بسبب أنواع البحث والتقصي والمراقبة التي تستخدمها دائرة شرطة نيويورك، إضافة إلى تقارير رجال الشرطة الذين يجري تدريبهم باستخدام مواد ومدربين عنصريين معادين للمسلمين. ويشكّل الخوف على كلا الجانبين حجر عثرة كبيرة لعملية مجابهة التطرف العنفي. يجب أن يرتكز لقاء بين هذين الطرفين على معلومات راسخة عن الطرف الآخر.
اكتشفْتُ من خلال القيام بتدريب هيئات تطبيق القانون أن الخوف من تدريب رجال الشرطة الواسع بشكل عنصري هو مفهوم خاطئ. الواقع أنه لا يوجد أي تدريب تقريباً يُقدَّم لرجال الشرطة هؤلاء. ويقول 90% على الأقل من رجال الشرطة الذين يحضرون تدريبنا، بمن فيهم ضباط التواصل والاستخبارات والمعلومات والتحليل والعاملين في المؤسسات الإصلاحية، إنهم لم يحصلوا على التدريب أبداً، لا الثقافي ولا التدريب في مجال الكفاءة، حول الإسلام أو كيفية الانخراط مع المسلمين. ويشكل انعدام التدريب الرسمي أحياناً نتيجة لقضايا تتعلق بالميزانية.
عند سؤالها عن كيفية حصولهم على معلومات عن الإسلام والمسلمين، أخبرتني إحدى ضابطات الاستخبارات أنها استخدمت نظام البحث «غوغل». ويفسر ذلك العجز بين المنظور الذي تمتلكه سلطات تطبيق القانون عن خط التطرف الإسلامي والتهديد الإحصائي الفعلي، مما يعكس سوء فهم مماثل بين أفراد الجمهور.
البرامج الوحيدة التي قدمت في أوساط الجاليات الأميركية المسلمة وبشكل مثابر منذ الحادي عشر من سبتمبر، هي تدريب «إعرف حقوقك»، الذي يعتبر مهماً من حيث حماية الحقوق المدنية للمسلمين، ولكنه يفرز أيضاً الطرح القائل بأن المسلمين والحكومة هما قوى متعارضة.
هناك حلان جزئيان بسيطان ولكنهما فاعلان لهذه القضايا. الأول، وكجزء من تدريب سنوي في أثناء الخدمة، يجب تنفيذ دورة تعريفية بالإسلام والكفاءة الثقافية لقوى حفظ الأمن في المناطق التي تتواجد فيها أعداد كبيرة من السكان المسلمين. فالمتطلبات أثناء الخدمة موجودة لكافة رجال الشرطة ومراكز الإصلاح، وإذا احتوت على مكونات حول العمل مع الجاليات المسلمة، فسوف تساعد على مواجهة الرؤى السلبية القائمة لدى رجال الشرطة والمسئولين.
ثانياً، يتوجب على قيادة تطبيق القانون الانخراط في نشاطات تواصل مثابرة مع الجاليات المحلية في مجال واسع من القضايا، ويعمل ذلك على بناء علاقات تستطيع الجاليات المسلمة من خلالها توفير مصادر حول الإسلام والكفاءة الثقافية إلى هيئات تطبيق القانون المحلية، متغلبة على قضايا التمويل.
في أعقاب هجمات بوسطن والشكوك التي تلتها حول المسلمين، والتي انعكست في الحوار حول سياسات الهجرة والقضايا القانونية، تكتسب الحاجة إلى مشاركة مثابرة بين هيئات تطبيق القانون والجاليات المسلمة أهمية أكبر من أي وقت مضى. ورغم أن «مجابهة التطرف العنفي» هو جهد حديث نسبياً ما زال يجري العمل على إخراجه إلى الوجود، إلا أنه من الخطأ عدم تخصيص الموارد الضرورية لنجاحه بشكل كامل.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3910 - الثلثاء 21 مايو 2013م الموافق 11 رجب 1434هـ