العدد 3908 - الأحد 19 مايو 2013م الموافق 09 رجب 1434هـ

أطلق الخير الذي بداخلك

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

لكل منا عالمه الداخلي، عالمه البريء، عالمه المبدع، عالمه الذي لم يتلوث بعد بالمؤثرات الخارجية بكل ما تحمله من جيد وسيء، خير وشر، فرح وسعادة، نجاح وفشل، قوة وضعف، لكننا قلّما نلتفت إلى هذا العالم المليء بالإيجابيات التي لو حركنا مياهها لتطهّرت كل أرواحنا وأنفسنا وعقولنا من شوائبها.

يقول الفيلسوف الصيني «لاو تزو» صاحب المقولة الشهيرة رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة: «الطبيعة الأصلية لكل كائن بشري مثالية ولا تشوبها أخطاء، ولكن بعد أعوام من الانغماس في عالمنا، ننسى بسهولة جذورنا ونتبنى طبيعة مزيفة». هذه الطبيعة المزيفة هي التي تنجب في عالمنا كل تلك الأخطاء التي تولّد أحزاناً وحروباً وشقاءً ومشاعر سلبية، ولو أن كل واحد منا حاول استعادة طبيعته الأولى لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، من واقع يجعل الصخر في بعض الأحيان أكثر ليناً وفائدة منا، واقع يكاد لفرط بشاعته أن يدمر معنى الإنسانية أحياناً؛ لأنه اختار الحروب والدمار والظلم والقسوة على الفطرة الإنسانية التي تتسم بالمحبة والسلام، حتى بتنا نشعر بالغرابة والدهشة حين نمر بأحدهم ممن لم تلوثهم العوامل السلبية المكتسبة ونقول في أنفسنا أو لبعضنا لا شعورياً: «مازال في الدنيا خير»، وقد نسينا أن الخير هو الأصل ولا يمكن للأصل أن يختفي.

إن العوالم الإيجابية الداخلية التي تكمن في كل فرد منا، لا يجب أن نوكلها للغفوة الطويلة التي تصل لدى بعض البشر إلى سبات يسيطر عليه طيلة العمر، فينسى أصل مشاعره، وينسى حقيقة فطرته، بل يجب أن تنهض تلك الطبيعة لتنهض معها الإنسانية وتختفي مدمرات السلام من العالم المحترب. ويجب أن نعي جيداً أنه ليس من السهولة أبداً أن تتغير العادات التي اعتاد الفرد منا عليها، ليعود إلى أصله النقي الذي نريد؛ فقد تطلب الأمر عمراً كاملاً لكي يكتسب كل ما اكتسبه ويظهر بشكله الجديد غير المرغوب فيه، وهو الأمر الذي يفسر صعوبة التخلص من العادات السيئة التي نكتسبها، يقول مارك توين: «العادة هي العادة، ولن يستطيع أي إنسان الإلقاء بها من النافذة، بل عليه دفعها تدريجياً بمعدل درجة واحدة في كل مرة». هذه الدرجات البسيطة التي قد تبدو غير ملحوظة في البداية، كفيلة بأن تصنع طريقاً جديداً معبّداً تسير عليه البشرية حين يحاول كل شخص أن يغيّر من نفسه قبل أن يغيّر مَن حوله مِن البشر في مجتمعه والعالم.

وبالطبع فإن ما ذكر أعلاه لا يعني أبداً أن التغيير أمر صعب؛ فحين تتوافر الإرادة وتتوافر مقومات تحقيقها والتي تبدأ بالتخلص من الأعذار والتسويف، لابد أن تتغير هذه العادات السلبية وتحل معها تلك التي يحلم بها كل فرد منا، ليكون شخصاً جديداً يشبه ذلك الشخص الذي يعيش بداخلنا، والذي أهملناه طويلاً فظننا أنه اختفى، أو اندثر. فهل يمكن للذهب أن يتغيّر ويندثر حين يعتليه الغبار حتى وإن شكّل هذا الغبار طبقات تُنسي من يمر به أن تحته ذهباً؟

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3908 - الأحد 19 مايو 2013م الموافق 09 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 9:26 ص

      نفسي ونفسك

      مشكلة مغريات الحياة وشهوات ورغبات الناس دائمة العضويه واستمرار حرب أهليه على الارهاب كلها مره وحده وأخرى مجتمعه. قد لا تؤثر على طبيعة البشر، لكنها تضيف أطباع سرعان ما تتحول الى عادت طبيعة غير طبيعيه في مجتمع تطبعي غير تطوعي يغلب العرف علي طابعه. لأنه لم يتطوع بل تطبع وإعتاد الاستهلاك. هنا ليس بشاشه لوجه اكما هشاشة الابتسامه خادعة ومزورة كما قول الزور. فالاعتداد بالنفس مذموم وقد يكون مسموم ومحموم غير محمود فعله. فهل الاقدام على الثقه بالنفس أم الثقة بالله الخالق أولى لك فأولى؟

    • زائر 3 | 4:52 ص

      من استوى يوماه فهو مغبون

      في دعاء كميا: "وسكنت إلى قديم ذكرك لي ومنك علي.." مهم أن نفكر كيف نحافظ على مكتسباتنا وإيجابياتنا وأن لا نفكر أننا وصلنا إلي قمة ما نصبو له وإلا فسنتراجع ف "الإعجاب يمنع الازدياد". شكرا أستاذة سوسن على مقالكم الثري

    • زائر 2 | 4:02 ص

      منافسه ووساوس التافس ومتطيرون ولا يطيرون

      عالم مشترك، لكن النفس أمارة بالسوء.. وتوسوس وفيها وسوسه لا شعوريه. والناس بعضها توشوش والآخرين إتشوش بعض على بعض. قد يكونوا من إبليس حادنهم وقد تكون أنفسهم على هذه الفطرة ومطورون. هنا لا علاقة لإفطار صائم ،فالموضوع هنا غير والماده أيضا غير. الغيره قد يكون لها دور والحسد دورين والطابق الثالث ينبي حقد وكراهيه وبغض بعضهم لبعض.
      فمن يتبعون الشياطين؟ أو حتى الشياطين يعتذرون عن أفعال الشر الغير طبيعيه للبشريه؟

    • زائر 1 | 1:39 ص

      ياله بحسن الخاتمة وخواتيم دلمونيه

      الطبع ليس كما التطبع والخواتيم جمع خاتم وختمه وختام نهايه مرحلة أو سباق. كما يقال طبع على الشيء أي بمعنى وضع عليه علامه. وقص صبعي ولا تغير طبعي. فالطبع من الخالق جل جلاله وقدرته في تغييره أو إبقائه. وهذه الحقيقة كشف عنها عالم النفس الشهير سكنر، إذ قال بأن الانسان مبرمج ويحمل برنامج، إلا أن في كثير من حالات التربيه والبيئه وعوامل أخرى تؤثر في تربية الفرد لكنها لا تغير طبعه. ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. وهذه طبيعة وطبيعي كيف نغير طبعها ونغيرها؟

اقرأ ايضاً