العدد 3906 - الجمعة 17 مايو 2013م الموافق 07 رجب 1434هـ

هوية دلمون: باربار السومرية

سبق أن ذكرنا في الفصول السابقة، أن المرجح هو أن دلمون - البحرين بدأت في طور التأسيس قرابة العام 2350 ق. م. إلا أن دلمون ككيان مستقل بدأت في فترة مبكرة قبل ذلك بسنوات.

وأكبر دليل على ذلك هو العثور على نقوش توثق وجود «جامعي الضرائب» ومنها نقش يذكر «جامع ضرائب دلمون» الذي يعود إلى فترة أوروك، ما يدل على أن دلمون كيان منظم ويرتبط بعلاقات اجتماعية واقتصادية مع سومر (Green 1984)؛ وبالتالي فإن دلمون الأولى التي تأسست في مكان ما، سواء في جنوب الرافدين أو شرق الجزيرة العربية، في الحقبة 2900 – 3200 ق. م لا بد أن تكون تأثرت بالثقافة السومرية، حتى وإن لم تكن الجماعة المؤسسة، أي الدلمونيون الأوائل، سمومريين. وسبق أن ذكرنا في الفصول السابقة، أن المرجح هو أن الدلمونيين الأوائل لهم خصوصيتهم كجماعة عرقية، وتلك الخصوصية ظهرت لاحقاً وهي التأثر بحضارة وادي السند.

في واقع الأمر، أن الدلمونيين الأوائل، هم جماعة كونت لنفسها ثقافة تميزها، وهي ثقافة تكونت بسبب عرقيتها التي تنتمي إليها وبسبب احتكاكها بثقافات أخرى؛ وبذلك كونت لنفسها حضارة لها هوية مختلفة عن باقي الحضارات، وفي الوقت نفسه، جزء كبير من هذه الهوية يتشابه مع حضارة وادي السند، وجزء منها يشابه الثقافة السومرية. ثم بعد ذلك تطورت ثقافة دلمون - البحرين لتعكس تأثيرات لثقافات لاحقة تأثرت بها. وأخذت في التطور حتى تم إيقاف تقدمها بالقوة ومن ثم طمسها. وفي هذا الفصل والفصول اللاحقة سنناقش الثقافات التي أثرت في دلمون أثناء طور التأسيس وصولاً إلى طور الذروة التي عاشتها ثقافة دلمون، وسوف نبدأ بالحضارة السومرية.

باربار السومرية

من أوائل الآثار وأهمها في دلمون - البحرين والذي يربطها بحضارة سومر هي معابد باربار (نسبة إلى قرية باربار على الساحل الشمالي لجزيرة البحرين)، وهي ثلاثة معابد بنيت فوق بعضها بعضاً. ومنذ اللحظة الأولى للتنقيب في هذه المعابد وجد أن المعبدين الأول والثاني يتشابهان هندسيّاً مع بناء المعابد السومرية وخصوصاً معبد العبيد الذي بني للآلهة ننخرساج (Andersen 1986)، وبالخصوص في العبد الأول؛ حيث إنه في بناء المعبد الثاني، وإن لم تتغير هندسة بنائه، تم استخدام حجارة تم قطعها من جزيرة جدة مع استخدام الطين بين الصخور بدلاً من الحجارة الصغيرة، مما يوحي بتغير طفيف في ثقافة البناء، وأن البناءين كانا متأثرين بثقافة غير الثقافة السومرية (Doe 1986).

لم يقتصر تشابه معابد باربار مع المعابد السومرية على الشكل فقط، بل ببعض المقتنيات التي عثرت فيه. فقد عثرت البعثة الدنماركية في الطبقة العليا من المعبد الثاني على رأس ثور مصنوع من النحاس (ارتفاعه 20 سم وعرضه 7.5 سم) (During Caspers 1971). ومن المرجح أن هذا الرأس كان مثبتاً بشيء آخر بسبب وجود ثقوب على طرفيه تسمح بتثبيته (During Caspers 1971).

إن تقليد استخدام رأس الثور كان معروفاً في الحضارة السومرية حيث عثر عليه في المعابد والقبور في العبيد وخفاجة وأور، وقد كان يستخدم في التزيين وفي الغالب تزيين صندوق القيثارة (During Caspers 1971).

وفي دراسة قام بها Barnett لدراسة ارتباط رأس الثور بالآلات الموسيقية في أور، رجح Barnett أن رأس الثور الذي عثر عليه في معبد باربار كان كما في الحضارة السومرية مثبتاً على قيثارة؛ حيث عثر على ختم دلموني في جزيرة فيلكا عليه نقش يظهر قيثارة من النوع السومري مزينة بثورين، الأول يمثل صندوق الصوت والثاني يوجد فوق الثور الأول (Barnett 1969).

رأس الثور التقليد السومري

درس Van Dijk في أطروحته لنيل درجة الدكتوراه تقليد استخدام الثور أو رأس الثور في الحضارات القديمة التي نشأت في الشرق الأوسط، وخلص Van Dijk إلى أنه بعيداً عن الرمزية الدينية للثور أو رأس الثور فقد تميزت كل حضارة بتقليد معين ارتبط بهذه المجسمات؛ وقد تميزت الحضارة السومرية باستخدام رأس الثور للزينة وبالخصوص تزيين الآلات الموسيقية (Van Dijk 2011, pp. 40 - 49). كذلك، عثر على رأس الثور في الحضارات التي تأثرت بثقافة سومر مثل سوسة في غرب إيران، والحضارات التي قامت في فلسطين والأردن وسورية، وجميع ما عثر عليه في تلك المناطق من مجسمات رأس الثور كانت شبيهة بالنموذج السومري من حيث الحجم وكونها تثبت للزينة، وكذلك عثر عليها في قبور أو معابد. أي أنها ارتبطت بمكان ديني وربما كان لها دور في طقوس دينية معينة أو ارتبطت برمزية دينية معينة (Van Dijk 2011, p. 64).

النموذج الدلموني لا يختلف عن النموذج السومري إلا في فن الصنعة، فالنموذج الدلموني أقل جمالاً ويظهر عليه أنه تقليد محلي للنموذج السومري (During Caspers 1971).

إن العثور على رأس الثور في معبد باربار الثاني الذي تتشابه هندسته مع المعابد السومرية، وكذلك العثور على قطعة فخار سومرية تعود إلى عصر جمدة نصر أعطى انطباعاً بأن معابد باربار بنيت في الحقبة السومرية أي قبل العام 2350 ق. م. (During Caspers 1971)، إلا أن الدراسات الحديثة تحدد بناء المعابد الثلاثة بين الفترة 2100 - 1800 ق. م. وتحدد بناء المعبد الثاني الذي ينتمي لها رأس الثور قرابة العام 2000 ق. م. (Hojlund et al. 2005).

وهكذا نجد أن معابد باربار أصبحت الرابط بين ثقافة دلمون والثقافة السومرية، وهذا الرابط تطور ليشمل حتى مسمى «باربار»، القرية نفسها، حيث معابد باربار، فقد اقترح Potts أن أصل التسمية «باربار» سومرية بمعنى «الغرباء»، بمعنى أن الدلمونيين الأوائل هاجروا من موطنهم الأصلي كي يؤسسوا حضارة جديدة في هذا الجزء من العالم (Potts 1983b).

العدد 3906 - الجمعة 17 مايو 2013م الموافق 07 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً